في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديث إلى "ليبانون ديبايت"، أنّه "منذ الانهيار المالي الذي ضرب لبنان أواخر العام 2019 وما تبعه من انهيار في سعر صرف الليرة اللبنانية، فقدت العملة الوطنية وظيفتها الأساسية كعملة ادخار، فلم تعد وسيلة لتجميع المدّخرات، لا في المصارف ولا حتى في المنازل، بعدما اتجه اللبنانيون إلى الدولار أو الذهب أو خيارات أخرى أكثر أماناً".
وأضاف فرح أنّ "الأزمة لم تقف عند هذا الحد، إذ إنّ الليرة فقدت أيضاً وظيفتها الثانية كعملة للإنفاق اليومي. فارتفاع الأسعار بشكل هائل جعل أي عملية شراء تحتاج إلى كميات ضخمة من الأوراق النقدية بالليرة، ما دفع المواطنين إلى الاعتماد شبه الكامل على الدولار في معاملاتهم، فيما اقتصرت وظيفة الليرة على كونها وسيلة فُراطة تُستخدم لتصريف الدولار".
الفئات الجديدة... محاولة لإعادة الدور
واعتبر فرح أنّ "إصدار فئات من 500 ألف، مليون، وحتى 5 ملايين ليرة، يأتي في محاولة لإعادة الاعتبار إلى الليرة كعملة إنفاق يومية"، مشيراً إلى أنّ "التعامل بالليرة قد يكون عملياً أكثر من الدولار في عمليات الشراء، خصوصاً أنّ الدولار نفسه يعاني من مشكلة الأوراق القديمة أو التالفة التي غالباً ما تُرفض أو تُكلّف المصارف أعباء إضافية عند شحنها إلى الخارج، في حين أنّ هذه المعضلة غير مطروحة بالنسبة إلى الليرة".
التضخم والسياسة النقدية
أما عن المخاوف من زيادة التضخم، فأوضح أنّ "مصرف لبنان ينسّق بشكل كامل مع وزارة المالية لضبط حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق، وذلك حفاظاً على استقرار سعر الصرف".
ولفت إلى أنّ "تعزيز استخدام الليرة في الإنفاق قد يرفع الطلب عليها بنسب محدودة ومقبولة، من دون أن يشكّل خطراً على الاستقرار، خصوصاً في ظل التنسيق القائم بين وزارة المال والمصرف المركزي".
وأضاف: "لا مصلحة لأحد في انهيار جديد لسعر الصرف، لأن ذلك سينعكس سلباً على الاقتصاد وعلى إيرادات الدولة، ما يجعل الحرص على السياسة النقدية المستقرة حالياً مصلحة مشتركة بين الدولة والمصرف المركزي".
التوقيت والطرح المرتقب
وبشأن توقيت إصدار الفئات الجديدة، رأى فرح أنّ "فئات الخمسة ملايين، والنصف مليون، والمليون ليرة قد تُطرح جميعها في السوق، لكن ليس بالضرورة دفعة واحدة أو بشكل متسارع، إذ إنّ العملية تحتاج إلى بضعة أشهر لتكتمل".
إذاً، بين من يرى في إصدار ورقة الخمسة ملايين خطوة تقنية لتسهيل التعاملات اليومية بالليرة، ومن يحذّر من أنّها قد تحمل في طيّاتها بذور تضخّم جديد يهدّد الاستقرار النقدي الهش، يبقى القرار رهن كيفية إدارة مصرف لبنان وحجم التنسيق مع وزارة المال. وفي النهاية، ما سيحسم الجدل ليس الإعلان عن الفئة الجديدة بحد ذاته، بل النتائج الفعلية التي ستظهر على السوق، والتي ستكشف إن كانت الورقة أداة لتبسيط الإنفاق… أم شرارة لأزمة إضافية.