في عمق يتجاوز 3268 متراً تحت سطح البحر قبالة سواحل كاليفورنيا، رصدت غواصة الأبحاث "دوك ريكتس" التابعة لمعهد خليج مونتيري لأبحاث الأحياء المائية مشهداً غير مألوف: سمكة صغيرة بلون وردي باهت ظهرت بهدوء في عدسة الكاميرا.
هذا الكائن الغامض تحوّل إلى بداية لاكتشاف علمي مثير، إذ أكدت الدراسات اللاحقة أنّ ما شاهده الباحثون يمثل نوعاً جديداً تماماً من أسماك الحلزون، أطلق عليه اسم "السمكة الحلزونية الوردية ذات البروزات".
وقد استعان العلماء بخبيرة أسماك الأعماق، الدكتورة ماكنزي غيرينغر من جامعة ولاية نيويورك، التي عملت مع فريق دولي مستخدمين أحدث التقنيات: الفحص المجهري، التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد، وتحليل الحمض النووي. وأظهرت النتائج أن العينة الملتقطة – أنثى لا يتجاوز طولها 9 سنتيمترات – تنتمي إلى نوع لم يُسجل من قبل.
لكن المفاجآت لم تتوقف عند هذا الحد؛ إذ أعاد الباحثون مراجعة أرشيف مقاطع الفيديو القديمة، ليكتشفوا وجود نوعين آخرين من العائلة نفسها: "السمكة الحلزونية السوداء" و"السمكة الحلزونية الانسيابية". وهكذا تحولت القصة من العثور على سمكة واحدة غريبة إلى اكتشاف ثلاثة أنواع جديدة بالكامل، جرى الإعلان عنها في دورية إكثيولوجي آند هيربتولوجي.
وتؤكد هذه الاكتشافات أن أعماق البحار لا تزال تحمل أسراراً هائلة، وأن التقنيات الحديثة – من الروبوتات الغاطسة إلى التحاليل الجينية – تفتح آفاقاً جديدة أمام العلماء لاستكشاف ما يشبه "فضاء آخر" في أعماق الكوكب. كما أنها تذكير بهشاشة النظم البيئية البحرية العميقة التي قد تتأثر بتغير المناخ والتلوث والنشاط البشري.
وتقول غيرينغر: "اكتشاف ثلاثة أنواع جديدة في رحلة واحدة يذكرنا بمدى غنى الحياة في أعماق المحيط، وبأننا ما زلنا نعرف جزءاً صغيراً فقط مما يختبئ هناك."