"ليباون ديبايت" - باسمة عطوي
طرحت وزارة المالية ومجلس الخدمة المدنية، إقتراحًا جديدًا يقضي بإحتساب بدل الساعات الإضافية لموظفي الإدارات العامة، على أساس 0.2 من الراتب الأساسي عن كل ساعة إضافية، مع وضع سقف أقصى يبلغ 35 ساعة شهريًا. هذا الإقتراح، الذي نال موافقة هيئة التشريع والاستشارات وهيئة مجلس الخدمة المدنية، يُتوقّع عرضه على مجلس الوزراء قريبًا. ويُسوّق له على أنه خطوة إصلاحية تُعيد ضبط آلية التعويضات وتُفعّل الرقابة على التنفيذ.
إيجابيات الإقتراح تبدو للوهلة الأولى واضحة، للمرة الأولى يطبَّق هذا النظام في الإدارات العامة بعدما كان أجر الساعة الإضافية يحسب على أساس ساعة العمل العادية، والدفع يُربط بالتنفيذ الفعلي مع إخضاعه للرقابة، والكلفة تبقى مضبوطة في حدود قدرات الخزينة. علما أن صيغة مشابهة طُبقت سابقًا في الطيران المدني بنسبة 0.3 من الراتب الأساسي.
غير أن التدقيق في تفاصيله يكشف (بحسب الخبراء)عن إستثناءات خطيرة تطال فئتين محوريتين في الدولة: العسكريين على إختلاف أسلاكهم، وأساتذة التعليم الرسمي.
أولاً: حرمان العسكريين
العسكريون الذين يحمون الحدود، يسهرون على الأمن الداخلي، وينفذون مهمات ليلية وميدانية شاقة، حُرموا من شمولهم بهذا النظام. هذا الحرمان يعني عمليًا تجاهل الجهد الإضافي الذي يبذلونه خارج أطر الدوام التقليدي، وحرمانهم من حق مكتسب يتناسب مع طبيعة عملهم.
من الناحية الدستورية، هذا الإستثناء يصطدم مع مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 7 من الدستور، ومن الناحية الوظيفية، هو تمييز بين موظف إداري يؤدي ساعات إضافية مكتبية وموظف عسكري يعرض حياته للخطر.
ثانيًا: إقصاء الأساتذة عشية العام الدراسي
المفاجأة الأكبر هي إستبعاد أساتذة التعليم الرسمي من الإستفادة من هذه الآلية، مع أن العام الدراسي الجديد على الأبواب والمدرسة الرسمية تعاني من أزمة وجودية: رواتب متدنية، نزيف الكفاءات، وانعدام الحوافز.
كيف يُعقل أن تُعطى زيادة لموظفي الإدارات، بينما يُترك المعلم الذي يحمل مسؤولية الأجيال بلا أي تعويض إضافي؟هذا القرار يُناقض التصريحات الرسمية الداعية إلى دعم المدرسة الرسمية وإنقاذها من الانهيار.
ثالثًا: القراءة القانونية والإدارية
بحسب الخبراء القانونيين، الإقتراح مُستند إلى سابقة قانونية: إذ تم تطبيق صيغة مشابهة على موظفي الطيران المدني بنسبة 0.3 من الراتب الأساسي. لكن هنا يتم تخفيض النسبة واستثناء فئات أساسية. والتبرير بأن “الكلفة تبقى ضمن قدرات الخزينة لأنه لا يشمل العسكريين ولا التعليم الرسمي” يكشف أن الاستثناء مالي بحت لا يستند إلى منطق قانوني أو إداري، كما أن مبدأ تكافؤ الفرص في الوظيفة العامة يتطلب مساواة جميع العاملين في الحق بالتعويض مقابل الجهد المبذول.
رابعًا: البعد المعيشي
في ظل انهيار القدرة الشرائية للرواتب، كان العسكريون والأساتذة يتطلعون لأي نافذة دعم إضافية. حرمانهم من هذا البدل يُفاقم أوضاعهم المعيشية، ويدفعهم إما إلى الهجرة أو ترك الخدمة. بدل أن يشكل الاقتراح بارقة أمل، تحوّل إلى أداة لتوسيع الفجوة داخل القطاع العام.
في الخلاصة، الاقتراح المالي الجديد خطوة إصلاحية ناقصة، لأنه رسّخ تمييزًا واضحًا بين فئات موظفي الدولة. فإذا كان الهدف ضبط الإنفاق وتحفيز الإنتاجية، فإن الاستثناء ينسف الغاية ويحوّل الإصلاح إلى ظلم.إنصاف العسكريين والأساتذة ليس ترفًا، بل شرط أساسي لاستقرار الدولة ومصداقيتها. فأي مساواة هذه حين يُكافأ موظف مدني على ساعاته الإضافية بينما يُترك العسكري والمعلم على هامش الحسابات؟