"ليبانون ديبايت" - محمد المدني
لم يكن المشهد في بيروت أمس عادياً. صخرة الروشة، أيقونة العاصمة اللبنانية، أضيئت بصورة السيدين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، في خطوة نفذها حزب الله بحضور الأجهزة الأمنية كافة.
هذا الحدث لم يكن مجرد نشاط رمزي، بل تحوّل إلى مواجهة سياسية مفتوحة بين حزب الله ورئيس الحكومة نواف سلام، الذي اختار أن يضع نفسه في قلب هذه المعركة، قبل أن يتلقى ضربة سياسية غير محسوبة.
فور تنفيذ الخطوة، ألغى سلام مواعيده في السراي الحكومي، معبّراً عن استيائه وغضبه مما اعتبره تحدياً لقرار الدولة اللبنانية ممثلة برئاسة الحكومة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل أخطأ سلام حين أدخل نفسه في هذه المواجهة بدل أن يتركها في عهدة محافظ بيروت، الجهة المخوّلة قانوناً بإصدار التراخيص للنشاطات في العاصمة؟
إن الخبرة الدبلوماسية والسياسية التي راكمها نواف سلام على مدى سنوات لم تساعده في تقدير واقع الشارع اللبناني، ولا سيما في ما يتعلق بحزب الله. إذ إن مجرد إعلان الحزب عن نيته القيام بخطوة بهذا الحجم كان يعني حتماً أنه سينفذها. فالتراجع بالنسبة إلى حزب الله في قضية تتعلق برمزيته وقياداته يوازي الانتحار السياسي، وهو أمر لا يمكن أن يقبل به تحت أي ظرف.
هكذا وجد رئيس الحكومة نفسه في مواجهة مباشرة مع الحزب، ومع جزء من الشارع، وهو ما لم يكن ضرورياً ولا حكيماً في هذه المرحلة. وكان الأجدى به أن يبقى على مسافة، تاركاً معالجة الموضوع للجهات الإدارية والأمنية المختصة، بدلاً من أن يتحول شخصياً إلى طرف في هذا الاشتباك ويصيب موقع رئاسة الحكومة في خيبة الهزيمة.
لكن حزب الله لم يكتفِ برفع صور السيدين نصر الله وصفي الدين على صخرة الروشة، بل أراد من هذه الخطوة أن يبعث رسائل سياسية مدروسة في أكثر من اتجاه.
فإلى الدولة اللبنانية وجّه رسالة واضحة بأنه ما زال يملك الشارع وقادر على فرض معادلاته، وأن قرارات الحكومة لا يمكن أن تُفرض عليه. أما إلى الشارع السني البيروتي المعترض، فقد اختار وضع صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري ليقول إن الزعامة السنية في بيروت لا تختصر برئيس الحكومة الحالي ولا بنواب، بل بآل الحريري الذين يشكلون رمزاً ومرجعية حقيقية.
وفي الوقت نفسه، وجّه رسالة ثالثة إلى النواب السنّة الذين ابتعدوا عنه في السنوات الأخيرة، عبر تكريم سعد الحريري تحديداً، في إشارة إلى أن الحزب لا يزال يعتبره الشريك الأصيل والباب إلى أي علاقة متوازنة مع الطائفة السنية.
كما أن إصرار حزب الله على وضع صورة الرئيس الحريري لم يكن محصوراً بالرسائل الداخلية فقط، بل حمل أبعاداً إقليمية واضحة، وتحديداً تجاه المملكة العربية السعودية. فبعد الدعوة العلنية التي أطلقها الشيخ نعيم قاسم لفتح صفحة جديدة مع الرياض، أراد الحزب من خلال هذه الخطوة أن يوجّه إشارة مباشرة إلى المملكة، مفادها أن أي تقارب أو إعادة وصل لا يمكن أن يمرّ إلا عبر الحريري، باعتباره المرجعية السنية التي يقدّرها الحزب ويعتبرها شريكاً محتملاً في أي معادلة سياسية مقبلة.
من هنا، لم تعد صخرة الروشة مجرد معلم سياحي، فقد تحوّلت أمس إلى عنوان سياسي بامتياز. صحيح أن الصفحة الأمنية التي كانت تهدد بتفجير الشارع قد طويت، لكن صفحة سياسية جديدة فُتحت، عنوانها نواف سلام وخياراته المقبلة في الساعات القادمة.
فبعد أن كسر حزب الله قرار رئيس الحكومة، باتت الأنظار موجهة إلى كيفية تعاطي سلام مع هذا التطور، وما إذا كان سيستطيع ترميم صورته كرئيس حكومة يمثل الطائفة السنية في مواجهة حزب يزداد نفوذاً وسط مشهد سياسي مأزوم.
إذاً، القضية لم تنتهِ عند صخرة الروشة، بل بدأت منها. فهي شكّلت لحظة كاشفة لموازين القوى في لبنان، فحزب الله الذي يفرض وقائع على الأرض بلا تراجع، ورئيس حكومة وجد نفسه في موقع الاختبار الصعب، وبين انتصار ميداني للحزب وخسارة سياسية لسلام، يبقى السؤال، كيف سيتصرّف الأخير في الساعات المقبلة، وهل يستطيع إعادة الإمساك بخيوط اللعبة أم أن اسمه سيُسجَّل كأول رئيس حكومة كُسرت قراراته عند صخرة الروشة؟