في هذا السياق، يكشف الكاتب المتخصص في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي نبيه عواضة، في حديثه إلى "ليبانون ديبايت"، عن تناقضات عميقة بين الصيغة الأصلية التي وُضعت على طاولة المفاوضات، وما تم الإعلان عنه لاحقًا في المؤتمر الصحفي المشترك بين ترامب ونتنياهو.
يلفت إلى وجود تناقض كبير وواضح بين المسودة التي قُدّمت للوفود العربية في بداية المشاورات حول وقف إطلاق النار في غزة، وبين المبادئ العامة الـ21 نقطة التي سُرّبت إلى الإعلام، وما جاء لاحقًا في المؤتمر الصحفي المشترك بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويوضح عواضة أن جوهر التناقض يكمن في إخفاء بعض التفاصيل الأساسية، لا سيما في ما يتعلّق بملف السلاح. إذ إن المسودة الأولى التي طُرحت على الوفود العربية حملت تطمينات معينة لحركة حماس، مفادها أن الحركة لن تتعرّض للتدمير الكامل، وأن البحث يدور حول وضع السلاح تحت إشراف معين، وليس تفكيكه أو مصادرته بالكامل. وهو ما منح هامشًا للمناورة وأفسح المجال أمام حماس للنظر بإيجابية مشروطة نحو الموافقة على البنود الـ21.
بند الدولة الفلسطينية... مغيّب في العلن
ويشير عواضة إلى أن النقطة العشرين من المبادئ العامة تتحدث عن طريق موصل نحو إقامة دولة فلسطينية، ما شكّل بارقة أمل بشأن حل نهائي للقضية الفلسطينية، يقوم على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة.
لكن المفارقة، بحسب عواضة، أن هذا البند لم يُذكر إطلاقًا خلال المؤتمر الصحفي، بل على العكس، أبدى ترامب تفهمًا لموقف نتنياهو الرافض لفكرة الدولة الفلسطينية، ما يعكس نوايا مختلفة عمّا طُرح في الكواليس مع الأطراف العربية.
السلاح كأولوية لا كجزء من الحل
وفي الشق المتعلق بالسلاح، يرى عواضة أن ما تم طرحه خلال المؤتمر الصحفي مع ترامب كان واضحًا: تفكيك كامل لقدرات حماس العسكرية، بما يشمل السلاح والأنفاق والبنية التحتية للمقاومة، وقد تم تقديم ذلك على أنه أولوية، وليس جزءًا من تسوية سياسية شاملة.
وهذا الطرح، وفق عواضة، فتح بابًا واسعًا للنقاش بين حماس والوسطاء، وأدى إلى تراجع إمكانية إعلان موافقة واضحة وسريعة من المقاومة.
تناقض المواقف يُعقّد حسابات حماس
ويؤكد عواضة أن الموقف الأميركي أشار إلى إمكانية إدخال بعض التعديلات على الخطة، لكن بقي الغموض يحيط بطبيعة هذه التعديلات:
• هل التعديلات ستكون على أساس المسودة الأصلية التي أُعطيت للعرب؟
• أم على أساس ما قاله ترامب ونتنياهو في المؤتمر الصحفي؟
هذا التناقض، يشكّل برأي عواضة عقبة جوهرية أمام حماس في صياغة موقف نهائي، لا سيما أن بعض البنود التي تُعتبر مفصلية لم يتم تحديدها بشكل واضح.
الجداول الزمنية... والأسرى في قلب الخلاف
ويُبرز عواضة أن أحد أهم الثغرات في الورقة المطروحة هو غياب الجداول الزمنية، خاصة في ما يتعلّق بملف الأسرى.
فبينما تتحدث إسرائيل عن نيتها الإفراج عن 150 أسيرًا فلسطينيًا، تشير بيانات المقاومة إلى وجود ما لا يقل عن 307 أسرى محكومين بالمؤبد في سجون الاحتلال، وهم جزء من مطالب الإفراج.
وهنا تُطرح إشكالية أساسية:
• ما هو مصير باقي الأسرى؟
• ماذا عن نحو 10 آلاف أسير جرى اعتقالهم من الضفة الغربية بعد 7 تشرين الأول؟
غياب الأجوبة على هذه الأسئلة يعقّد الوضع، لا سيما أن ذلك يمسّ الشق الفني والتنفيذي للاتفاق.
وقف النار... مشروط ومقلق
وبحسب عواضة، فإن القراءة الإسرائيلية تتحدث عن أن وقف إطلاق النار يبدأ فور الإفراج عن الأسرى ضمن المرحلة الأولى. لكن المقاومة لا ترى ذلك مضمونًا، وتعتبر أن عدم وجود ضمانات مكتوبة لإنهاء الحرب بشكل نهائي يشكّل لغمًا تفاوضيًا كبيرًا.
وفي ما يخص الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، يشير عواضة إلى أن الخطة تتحدث عن انسحاب تدريجي على ثلاث مراحل:
1. المرحلة الأولى: الانسحاب من المناطق المحاصرة بشريًا، مثل مدينة غزة، منطقة الوسطى، ومخيمات المواسي.
2. المرحلة الثانية: الانسحاب من مناطق أوسع ضمن القطاع.
3. المرحلة الثالثة: إنشاء منطقة أمنية عازلة.
لكن حتى في هذه النقطة، تظهر خلافات حادة بين الإسرائيليين والمقاومة، إذ تطالب إسرائيل بمنطقة عازلة بعمق 1700 متر، بينما ترفض المقاومة ذلك وتعرض 800 متر فقط.
وما يعقّد الأمور أكثر، هو الاختلاف في طبيعة المناطق: فشمال غزة ليس كجنوبها، من حيث الكثافة السكانية والبنية التحتية.
ويلخّص عواضة الموقف العام بالقول: إن المقاومة وجدت نفسها أمام خطة تضطر للقول لها "نعم"، لكنها مضطرة في الوقت ذاته للقول "لكن". فبقدر ما يوجد عناصر إيجابية، هناك أيضًا بنود غير واضحة وغير مضمونة وتفتقد للجدية.
والتناقضات بين ما قيل في الإعلام على لسان ترامب، وبين ما وُعِد به العرب في الكواليس، تجعل حماس في موقع لا يمكنها أن ترفض تمامًا، ولا أن تقبل تمامًا.
المبادرة العربية: نعم ولكن بشروط
ويكشف عواضة أن الوفود العربية، خلال لقائها بالرئيس ترامب، طرحت تعديلات أساسية على الخطة، تمثلت في ثلاث مطالب واضحة:
1. إعلان نهائي لإنهاء الحرب، بشكل لا لبس فيه.
2. انسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة.
3. السماح الفوري بإدخال المساعدات الإنسانية بدون شروط أو تأخير.
ويضيف أن هناك تقاطعًا ملحوظًا بين هذه المطالب العربية وما تطالب به حماس، وخصوصًا في نقطة وقف إطلاق النار الشامل والانسحاب الكامل من القطاع، ما يعكس أن القضية ليست فقط حول "اليوم التالي" وإدارة غزة، بل حول إنهاء الحرب فعليًا.
ويؤكد عواضة أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في قياس "عمق نعم" و"حجم لا" لدى حماس، إذ إن الموافقة مرتبطة بضمانات حقيقية وجداول تنفيذية واضحة. وحتى اللحظة، لا تزال هذه الضمانات غائبة، مما يجعل من الموافقة الكاملة أمرًا مستبعدًا، ويفتح الباب أمام مفاوضات جديدة لتعديل خطة ترامب بالشكل الذي يُرضي المقاومة ويحقق الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية والعربية.