"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
علم “ليبانون ديبايت” أن تفاهماً لبنانياً – سورياً جرى التوصل إليه بين وفدين من البلدين اجتمعا في بيروت خلال اليومين الماضيين. وقد نصّ التفاهم المبدئي على تبادل لوائح اسمية (في المستقبل!) تتضمن المخفيين قسراً لدى الجانبين، إضافةً إلى البحث في صيغة اتفاق حول ملف الموقوفين الإسلاميين في لبنان. ويأتي ذلك خلافاً لما روّجت له بعض وسائل الإعلام المحلية والعربية بشأن التوصل إلى اتفاق نهائي أو حصول تقدم إستثنائي. حتى أن إذاعة خبر عن قيام الوفد السوري بزيارة سجن رومية حيث يُحتجز عدد من الموقوفين الإسلاميين السوريين لم تكن صحيحة.
عملياً، سادت في بيروت أجواء متباينة حول تفسير نتائج الزيارة، فيما الكثير من المتابعين وصفوها بأنها "عادية وتأتي إستكمالاً للمسار نفسه القائم على الإستماع والاستماع". وما زاد الأمور تعقيداً أن رئيس الوفد السوري الوزير السابق محمد الأحمد لم يحضر جميع الاجتماعات المهمة في بيروت، إذ غادر على عجل باتجاه دمشق. ولم تتضح الأسباب أو لم نعثر عمّن يبرّر ذلك، وما إذا كان الأمر مرتبطاً بمستجد سوري طارئ أو باستياء من أجواء النقاش في بيروت.
مع ذلك، تكشف معلومات "ليبانون ديبايت" أن النقاش بلغ مرحلة التطرق إلى وجود “مخفيين قسراً” سوريين في لبنان، بعد أن ادّعى الوفد السوري امتلاكه معلومات عن حصول عمليات خطف وإخفاء لمعارضين للنظام السابق، زاعماً أنّ بعضهم جرى إخفاؤهم في لبنان على يد تنظيمات مختلفة وفي فترات زمنية متعددة. وقد اتُّفق على أن يُعقد الاجتماع المقبل للجنة في دمشق قريباً، على أن يتضمن عرضاً محتملاً لنصوص أو مقترحات عملية، من دون أي إثباتات تؤكد ذلك.
وتألف الوفد السوري من معاون وزير الخارجية للشؤون العربية الدكتور محمد الأحمد (رئيساً)، إلى جانب ثلاثة قضاة، عُرف منهم القاضيان خالد حمود ونمر النمير. في المقابل مثّل الجانب اللبناني مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم، ومسؤول ملف السجون في وزارة العدل القاضي رجا أبي نادر، والقاضية منى حنقير.
أحد أبرز الاجتماعات عُقد في مكتب وزير العدل عادل نصّار، الذي يطالب ويلح منذ فترة على الجانب السوري ضرورة الإتفاق على إعداد مذكرة تفاهم تحدد آلية التعاون والنقاط الأساسية التي يجب طرحها. لكن السوريين، وبحسب ما ظهر خلال اللقاء، لا يزالون عند موقفهم السابق المتمثل بالاكتفاء بالاستماع وتلقي الأفكار من دون تقديم حلول أو التقدم إلى الأمام.
الأهمية الأبرز لاجتماع مكتب الوزير نصّار تمثلت في طلبه من الوفد السوري تزويده بأي تفاصيل أو وثائق تتعلق بتحقيقات حول عمليات اغتيال شهدها لبنان خلال مرحلة الحرب الأهلية وما تلاها. وذكر نصّار تحديداً اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميّل (1982)، والرئيس رينيه معوض (1989) وما بينهما، بالإضافة إلى ورئيس الحكومة رفيق الحريري (2005)، وصولاً إلى اغتيال الباحث السياسي لقمان سليم (2021). ويبدو واضحاً أنّ وزير العدل، ممثلاً لحزب الكتائب في الحكومة، يسعى وراء أي معطيات قد تساعد في توقيف أو إكتشاف مصير أو إقتفاء أثر المناضل حبيب الشرتوني، منفّذ عملية اغتيال بشير الجميّل في مبنى الكتائب بالأشرفية، والذي يُعتقد أنه يقيم في سوريا أو أقام فيها سابقاً. ويستند نصّار في ذلك إلى سابقة تعاون سوري مع النائب السابق وليد جنبلاط، أفضت العام الماضي إلى توقيف اللواء السوري السابق إبراهيم الحويجه، المتهم بقتل كمال جنبلاط
لكن مصادر “ليبانون ديبايت” أوضحت أنّ الوفد السوري شدد، كما في اجتماعات سابقة، على صعوبة العثور على وثائق أو أدلة تخص الاغتيالات في لبنان، عازياً ذلك إلى ضياع أو إتلاف الأرشيف والمستندات والوثائق بعد انهيار نظام بشار الأسد. وتذهب بعض التقديرات إلى أنّ النظام السابق عمد إلى إخفاء أو إتلاف الوثائق قبيل سقوطه ووصول قوّات المعارضة إلى دمشق، خصوصاً بعدما كان على علم بمصيره نتيجة اتفاق روسي مع “هيئة تحرير الشام”، وهو ما كشفه لاحقاً الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع. بالتالي كيف يمكن طلب هذا الأمر من جهة تقول أصلاً أنها لا تمتلك، وهو ما يعزز الشكوك حول وجود فريق يطمح إلى إستغلال الموضوع سياسياً لاثارته لاحقاً في وجه حزب الله أو لإقحام نظام دمشق فيه!
غياب الوثائق لا يقتصر على قضية الاغتيالات، بل يشمل أيضاً ملف اللبنانيين المخفيين قسراً في سوريا. إذ يؤكد السوريون أنهم لم يعثروا في سجونهم على معتقلين لبنانيين، ولا على أي رفات تدل عليهم، ما يعزز فرضية ضياع الأدلة والملفات. في المقابل، يطرح الجانب السوري قضية “المفقودين قسراً” في لبنان، متحدثاً عن معارضين سوريين اختفوا هنا. لكنه لم يقدّم سوى إشارات وأسماء محدودة بلا أدلة ملموسة، ما دفع الوفد اللبناني إلى طلب لوائح مفصلة تتضمن بطاقات شخصية وتواريخ وظروف اختفاء، للمساعدة في التحقق.
بأي حال، لم يسجَّل أي اختراق نوعي في الاجتماعات القضائية – الأمنية في بيروت، خلافاً لما أشيع إعلامياً، مع الإشارة إلى “تقدم طفيف” على صعيد تبادل الأفكار. أما اللقاء الذي جمع وزيري الدفاع اللبناني ميشال منسى والخارجية السوري أسعد الشيباني في مدينة العُلا السعودية، على هامش مؤتمر “ميونيخ للأمن”، فلا يمكن تسميته بأنه يشكل امتداداً للمباحثات القضائية – الأمنية في بيروت. بل انطلق من نفس المبادئ من دون أي جديد، ما عكس وجود رغبة لدى الرياض في جمع الوزيرين على أراضيها لإبراز دورها السياسي، ولطرح ملفات أخرى عالقة بين البلدين مثل ترسيم الحدود البرية والبحرية. لكن الجانب اللبناني، وبحسب مصادره، يتعامل مع ملف الترسيم من زاوية “ضبط الحدود” لا أكثر في إنتظار تقدم ملموس عند الضفّة السورية.