رأت تقارير غربية حديثة، أبرزها في موقع "الجزيرة نت"، أن الموقف الألماني من الحرب في غزة يعكس "الخوف الألماني المزمن" أو ما يُعرف اصطلاحاً بـ German Angst، وهو شعور جمعي يعبّر عن تردّد سياسي واجتماعي ناتج من عقدة تاريخية تجاه اليهود وإسرائيل.
وتشير المقالة إلى أنّ أي نقاش علني حول إسرائيل أو اليهود في ألمانيا يبقى محاطاً بالصمت والتوتر والخشية، سواء بدافع الذنب التاريخي عن جرائم النازية، أو الخوف من اتهامات معاداة السامية، أو القلق من خسارة الوظيفة والمكانة الاجتماعية.
توضح الكاتبة الألمانية سابين بودي في كتابها "آثار الحرب: المرض الألماني" أنّ German Angst ليست حالة نفسية فردية، بل ظاهرة سياسية جماعية تنشأ كلما اتسمت سياسة الحكومة أو الإعلام بالتردّد والخوف في اتخاذ المواقف الحاسمة.
وفي حالة العلاقة مع إسرائيل، تتحول هذه الظاهرة إلى منظومة تخويف ممنهجة داخل المجتمع والإعلام، حيث يصبح انتقاد السياسات الإسرائيلية خطاً أحمر يهدد الصحافيين والأكاديميين بالتشهير أو الاتهام باللاسامية.
وقال الصحافي الألماني فابيان غولدمان، المتخصّص في نقد الإعلام، لـ"الجزيرة نت" إن الخوف هو العنوان العريض لتغطية الإعلام الألماني لحرب غزة، مشيراً إلى ضغوط مباشرة من إدارات التحرير ومن السفارة الإسرائيلية في برلين التي تتواصل مع المؤسسات الإعلامية للمطالبة بتعديل محتوى التغطيات.
وأوضح غولدمان أنّ الصحافيين الذين يرفضون الإذعان لتلك الضغوط يتعرضون لحملات تحريض أو اتهامات باللاسامية، ما يدفع بعضهم إلى تغيير مواقفهم أو حتى ترك المهنة.
اعتمد غولدمان في دراسته على تحليل مضمون 4853 خبراً نُشرت في أربع من كبريات الوسائل الإعلامية الألمانية: وأظهرت النتائج أن 43.3% من الأخبار استندت إلى مصادر إسرائيلية، مقابل 5% فقط إلى مصادر فلسطينية، فيما بلغت نسبة المصادر العربية والإسلامية الأخرى مجتمعة 6%. واعتمدت الوسائل الأربع على المصادر الحكومية والعسكرية بنسبة 72.5% من إجمالي الأخبار، بينما لم تتجاوز نسبة الاعتماد على المنظمات الدولية (الأمم المتحدة، الأونروا، منظمة الصحة العالمية...) 8% فقط.
ويرى غولدمان أن هذه الأرقام تكشف ميلاً واضحاً للانحياز نحو الرواية الإسرائيلية الرسمية، على حساب تغطية الواقع الميداني ومعاناة المدنيين في غزة.
تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” أكد بدوره أنّ الصحافيين الألمان الذين يغطّون حرب غزة يعملون في مناخ عدائي وضاغط، ويتعرّضون لمضايقات من رؤساء التحرير إذا حاولوا تقديم تقارير تتناول الجانب الإنساني للفلسطينيين.
ويصف التقرير أجواء العمل الصحافي في ألمانيا بأنها “مناخ من الخوف والتحريض”، يخلق ضغطاً نفسياً ومهنياً على المراسلين، ويحدّ من حرية التعبير حول القضية الفلسطينية.
تبيّن هذه المعطيات أنّ الإعلام الألماني يعيش حالة مركّبة من الخوف والتوجّس في تعاطيه مع قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً عندما تتعلق بإسرائيل، إذ يُنظر إلى أيّ تعاطف مع الفلسطينيين على أنّه تهديد سياسي أو أخلاقي للثوابت التاريخية التي بُنيت عليها الدولة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.