القصة ليست إشاعة ولا سوء فهم. إنها مجزرة بيئية بكل ما للكلمة من معنى، أبطالها لجنة يفترض أن تكون "حامية الأرز"، فإذا بها تتحوّل إلى جلّادة للأشجار المعمّرة تحت حجج واهية وشعارات فارغة.
فبحسب معلومات "ليبانون ديبايت"، أقدمت "لجنة أصدقاء غابة الأرز"، وبشكلٍ مباشر، على قطع أفرع وأغصان من أشجار أرز معمّرة داخل غابة أرز الرب، متذرعة بأن الأشجار "يابسة" أو "مصابة"، فيما الحقيقة الموثقة بتقرير وزارة الزراعة تقول غير ذلك تمامًا.
فقد أكّد تقرير رسمي صادر عن وزارة الزراعة أن الأعمال التي نُفذت جرت من دون أي ترخيص قانوني، لا لجهة التشحيل ولا لجهة نقل الأخشاب، وأن كميات من الخشب نُقلت خارج الغابة من دون إذن أو إجازة رسمية، ومن دون علم وكيل الوقف أو أي تفويض صادر عن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
بمعنى آخر، اللجنة تصرفت بالغابة وكأنها ملك خاصّ، لا محمية وطنية مقدسة!
فمن أين خرجت الأخشاب؟ وأين خُزّنت؟ ولمن بيعت؟ ولماذا لم يُنظّم المزاد العلني الذي كان يُفترض أن يتم بشفافية؟ أسئلة كثيرة لا تجد أجوبة سوى في الكواليس… كواليس "الصفقات" و"التغطيات".
مصادر متابعة للملف تؤكد لـ "ليبانون ديبايت"، أن ما حصل لم يكن "سهوًا" بل مخالفة متعمدة وممنهجة، خصوصًا أن اللجنة سبق وحصلت في السنوات الماضية على تراخيص خاصة بالتشحيل، ما يعني أنها تعرف جيدًا الإجراءات القانونية، ولا يمكنها التذرع بـ"الجهل بالترخيص، أما هذه المرة، فالأمر تخطّى كل حدود المنطق والبيئة والأخلاق.
وتشمل المخالفات، بحسب التحقيق الرسمي:
• قطع أشجار معمّرة دون ترخيص.
• نقل حاصلات حرجية (الأخشاب) من دون إذن وزارة الزراعة.
• تنفيذ أعمال داخل محمية طبيعية خاضعة لرعاية دينية ورسمية دون أي تفويض.
• التصرّف بالأخشاب بشكل غير شفاف ومريب.
وفي ضوء هذه التجاوزات، سُطّر محضر ضبط رسمي بحق اللجنة، وتم فتح تحقيق قضائي فوري بحق المتورطين.
لكن الفضيحة لا تقف هنا. فبحسب وثيقة حصل عليها "ليبانون ديبايت" تعود لعام 1990، فإن المحافظ آنذاك كان قد أصدر قرارًا بوقف نشاط الجمعية رسميًا، بعد ثبوت مخالفات مالية وإدارية جسيمة، منها تحصيل رسوم غير قانونية من الزوار.
أي أن “سِجل اللجنة" مليء بالتجاوزات، وكل مرة تُغلق الملفات بـ"التبويسات" و"التغطيات".
أما اليوم، فالغطاء مختلف…
فقد كشفت مصادر مطّلعة لـ "ليبانون ديبايت" أن ضغوطًا سياسية وكنسية كبيرة مورست على وزارة الزراعة بهدف وقف التحقيق و"لفلفة الملف"، إلا أن الوزارة تمسكت بموقفها، وأكدت أن الوزير نزار هاني سيتوجه شخصيًا إلى الغابة للاطلاع ميدانيًا على الكارثة.
وفي المقابل، تصر اللجنة على تبرئة نفسها، مدّعية أن كل ما جرى هو "تشحيل عادي"، بينما الصور والفيديوهات الميدانية تُظهر مجزرة حقيقية بحق أشجار أرز معمّرة لا تُقدّر بثمن.
وبدلًا من الاعتراف بالخطأ، أصدرت اللجنة بيانًا دفاعيًا على صفحتها، قالت فيه إن "الغابة بخير"، وكأنها تحاول إقناع الناس أن الشجرة المقطوعة ما زالت تتنفس!
المشهد فاضح إلى حدّ الفضيحة:
لجنة بيئية تُتّهم بالتدمير البيئي،
وجمعية "أصدقاء" تتحوّل إلى "عداء" الغابة،
ومسؤولون سياسيون ودينيون يغضّون النظر… أو ربما يشاركون في الصمت المريب.
ولأننا في لبنان، لا عجب أن تتحول غابة أرز الرب إلى غابة فسادٍ جديدة، حيث تُقطع الأشجار وتُهرّب الأخشاب تحت شعار "العناية بالأرز"، في بلدٍ تُقطع فيه الضمائر قبل الأشجار.
يبقى السؤال الكبير، الذي نضعه برسم القضاء والوزارات المعنية:
من يغطي هذه الجريمة؟ ومن يجرؤ على المسّ بـ”أرز الرب”؟
وهل يُعقل أن يُرتكب هذا الاعتداء في وضح النهار، بمباركة من من يفترض أن يكونوا أمناء عليه؟
لقد سقطت "اللجنة" أخلاقيًا قبل أن تسقط قانونيًا.
أما أرز الرب، فهو سيبقى شاهدًا على زمنٍ يُقطع فيه الأرز… وتُزرع فيه الأكاذيب.
