هذا الإهمال الكبير في ترميم القصور قبل غرقها تقع مسؤوليته أولًا وأخيرًا على عاتق وزير العدل المنشغل في ملفات أخرى لا توازي بأهميتها ترميم قصور العدل، في وقت تتكرّر فيه المعطيات عن المباني الآيلة للسقوط في منطقة بعبدا تحديدًا، فهل ينتظر الوزير المعني أن يسقط القصر على رؤوس القضاة والمحامين والمواطنين حتى يتحرّك لإزالة هذا التهديد؟
الأمر لا يقتصر على قصر بعبدا فحسب، بل يشمل كافة قصور العدل، وينسحب على النظارات وأماكن توقيف المطلوبين والسجون، حيث لا تُراعى فيها أدنى متطلبات العمل الإنساني والحقوقي، وإذا كان وزير العدل مسؤولًا بالدرجة الأولى، فإن مسؤولية رئيس مجلس القضاء الأعلى لا تقلّ عنه أبدًا، فهو المسؤول الأول عن تأمين بيئة ملائمة لعمل القضاة، كما أن المسؤولية نفسها تقع على عاتق نقابة المحامين، حيث بات واضحًا التهديد الذي يطال المحامين الذين يقضون معظم أوقاتهم داخل القاعات الغارقة بالمياه.
ولذلك، يُطرح السؤال المشروع، لماذا هذا الصمت من رئيس مجلس القضاء الأعلى أو من نقابة المحامين على أمرٍ ملحّ مع بدء موسم الشتاء؟ والسؤال الأهم، كيف يتحجّجون بالحديث عن الإصلاح القضائي واستقلالية السلطة القضائية، في وقتٍ تعمل فيه المحاكم ضمن ظروف لا تليق بكرامة الإنسان؟ فكيف إن كان هذا الإنسان هو القاضي الذي يُفترض أن يُمثّل القانون، أو المحامي الذي يُجسّد حق الدفاع؟
وهذا الواقع المرير لقصور العدل يفتح الباب أمام التساؤل عن أسباب الإهمال المتعمّد لها، في وقتٍ تبدو فيه القصور الرئاسية من بعبدا إلى السراي إلى عين التينة في أحسن حللها، فيما القصور التي يقوم عليها بقاء العدالة بين الناس مهددة بالانهيار والزوال.
إنّ ما يشهده قصر العدل في بعبدا لا يمكن اعتباره حادثًا عابرًا، بل هو انعكاس صارخ لإهمالٍ متراكمٍ ومتمادٍ للسلطة القضائية ومرافقها، فبدلًا من أن تكون قصور العدل عنوانًا للهيبة والاحترام، باتت اليوم شاهدة على واقعٍ مزرٍ يُشبه الإهانة اليومية للعدالة ومن يمثّلها.