اقليمي ودولي

الجزيرة
الخميس 16 تشرين الأول 2025 - 10:24 الجزيرة
الجزيرة

من أوساكا إلى الملعب الصاروخي: اليابان تخلع عباءة "الدفاع فقط"

من أوساكا إلى الملعب الصاروخي: اليابان تخلع عباءة "الدفاع فقط"

لم تكن عبارة الرئيس الأميركي ترامب وقت زيارته إلى أوساكا أثناء دورته الرئاسية الأولى مجرد زلة لسان؛ بل مثّلت نقطة تحوّل في حسابات الأمن القومي الياباني وأدت إلى تسريع مراجعة طويلة لركائز دفاع طوكيو منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.


بعد عقود من الالتزام بعقيدة "الدفاع البحت" المستمدة من المادة التاسعة في الدستور، أعلنت اليابان في كانون الأول 2022 تحولها رسميًا نحو مفهوم "الضربة المضادة"، الذي يسمح بتطوير قدرات صاروخية بعيدة المدى والقدرة على تنفيذ ضربات استباقية محدودة ضد مصادر التهديد. الإعلان أتى ضمن استراتيجية أمن قومي جديدة اعتبرت الهجمات الصاروخية تهديدًا "محسوسًا" يستلزم امتلاك وسائل هجومية دقيقة.


في القلب العملي لهذا التحوّل برامج صاروخية متعدّدة. طوكيو طوّرت نسخة محسّنة من صاروخ Type-12 المضاد للسفن، رُفِع مداها إلى نحو 900 كلم وخُفِضت بصمته الرادارية مع إدخال رؤوس هادفة وتقنيات توجيه متقدمة، ما يسمح بتغطية أجزاء واسعة من شبه الجزيرة الكورية والسواحل الصينية من قواعد برية في كيوشو والجزر الجنوبية.


موازاةً لذلك، تعمل اليابان على برنامج للصواريخ الانزلاقية فائقة السرعة (HVGP) فرط الصوتية، بدأت تجاربها الأولى عام 2024 وأنشأت كتيبتين تشغّلانها — إحداهما في كيوشو والأخرى في هوكايدو — بحيث تراوح مداه الابتدائي بين 500–900 كلم، مع هدف تطوير نسخة تصل مدّها إلى نحو 3000 كلم بحلول عام 2030.


الاختيار الجغرافي لمحاور الانتشار — كيوشو جنوبًا وهوكايدو شمالًا — يعكس سعي طوكيو لتأمين الجبهتين الرئيسيتين: تهديداتٍ من كوريا الشمالية والصين جنوبًا، ومخاطرٍ شمالية مجاورة لروسيا. في الوقت نفسه، تسعى اليابان لتسريع الجاهزية عبر مشتريات خارجية؛ منها صفقة لشراء 400 صاروخ كروز أميركي طراز Tomahawk Block-5 (مع إدراج نسخ أقدم لتسريع التسليم)، إضافة إلى رغبة في الحصول على صواريخ جو-أرض بعيدة المدى من طراز JASSM-ER بمدى يتجاوز 900 كلم.


إلا أن قدرات طوكيو تواجه قيودًا فعلية: فبدون سلاح نووي، وتحت ضغط مصاعب مخزون الذخيرة والبنية الصناعية، تظل قدرتها على تنفيذ "ضربة قيمة مضادة" شاملة محدودة. كما أن استهداف بنى دفاعية متكاملة لحليف مثل الصين أو مواجهة ترسانة نووية لكوريا الشمالية يضعان طوكيو في مأزق عملي وسياسي بالغ التعقيد، حسب خبراء عسكريين.


الموقف الصيني الرافض لنشر صواريخ طويلة المدى في الجزر الجنوبية وقلق السكان المحليين من تحويل مناطقهم إلى خطوط تماس بارزة، إلى جانب التأخّر المحتمل في جداول الإنتاج المحلية، كلها عوامل تضيف طبقات من التعقيد إلى الانتقال الياباني من "دفاع فقط" إلى منطقٍ هجومي محدود ومُعقّد.


ختامًا، لا يعكس التسلّح المتسارع في طوكيو مجرد تراكمٍ تقني، بل تغييرًا استراتيجيًا في فهم الدور الوطني: اليابان التي فرضت عليها فاتورة التاريخ والتزام السلام أعادت اليوم كتابة قواعد دفاعها، فصارت دولةً تستعد ليس فقط للدفاع بل — إذا اقتضت الحاجة — للضربة المضادة كجزء من ضمان وجودها الإقليمي.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة