المحلية

ميشال قنبور

ميشال قنبور

ليبانون ديبايت
السبت 18 تشرين الأول 2025 - 07:16 ليبانون ديبايت
ميشال قنبور

ميشال قنبور

ليبانون ديبايت

فوزي مشلب… الاسم الذي لم يستطع الكارتيل ابتلاعه

فوزي مشلب… الاسم الذي لم يستطع الكارتيل ابتلاعه

“ليبانون ديبايت” – ميشال قنبور

في بلدٍ صارت فيه مكافحة الفساد تهمةً تستوجب العقاب، يقف فوزي مشلب شاهدًا حيًّا على أن النضال من أجل الشفافية ما زال ممكنًا، ولو في وجه منظومة مترسّخة من المصالح والصفقات. الرجل ليس خصمًا لأحد، بل خصمٌ وحيد لكل فسادٍ، أياً كان مصدره أو لونه السياسي. مشلب ليس “ناشطًا عونيًا” كما يحاول البعض اختزاله، بل ناشط في كشف الفساد أينما كان، وقد أثبت ذلك يوم كشف تورّط خليل خوري في قضايا فساد خلال فترة تولّي التيار الوطني الحر وزارة الطاقة، حين كان الصمت قاعدة والسكوت غطاءً.


فوزي مشلب جعل من النزاهة مهنة، ومن المواجهة نهجًا. لا ينتمي إلى محورٍ سياسي ضيّق، بل إلى مبدأ واضح: الفساد لا دين له. هو الرجل الذي كشف إدخال النفط الروسي إلى لبنان، وتابع مساراته حتى وصل إلى الأسماء والشركات المستفيدة، ليس حبًا بالخصومة، بل إيمانًا بأن المال العام ليس غنيمة بل مسؤولية.


القول إن فوزي مشلب “يستهدف” وزير الطاقة جو الصدي، محاولة مكشوفة لتفريغ مضمون نقده من واقعه. فوزي مشلب لم يهاجم الصدي لأنه من “القوات اللبنانية”، بل لأنه يتحمّل مسؤولية ملفاتٍ مالية وإدارية تُقدّر بملايين الدولارات. وصفه بأنه “متخصّص” بمهاجمة وزير واحد هو إسقاط متعمّد لتاريخه في ملاحقة الفساد، حتى داخل صفوف التيار الوطني الحر نفسه.


أما الاتهام بأن “التيار الوطني الحر” سخّر مشلب ووديع عقل لضرب “القوات اللبنانية”، فباطل وسخيف. فوزي مشلب كان أول من واجه الفساد حين كان التيار في ذروة سلطته، وكشف علنًا خيوط الصفقات النفطية والتلزيمات المشبوهة في وزارة الطاقة نفسها. لو كان “أداة حزبية”، لما تجرأ على مواجهة أبناء بيئته السياسية، ولما سمّى الأسماء حين كان ذلك محرّمًا.


الحقيقة أن فوزي مشلب يواجه منظومة أعمق من كل الانقسامات. الكارتيل الذي نهب أموال اللبنانيين في قطاع الطاقة لا يفرّق بين “قواتي” و”عوني”. هو كارتيل واحد يسرق البلد منذ سنوات، خضع له الجميع تقريبًا، إلا رجل واحد اسمه فوزي مشلب. وحده تجرأ على قول ما لم يقله أحد: إن المافيا السياسية – المالية هي الوجه الآخر للانهيار.


أما من يتهمه بأنه “ينتقي” معاركه، فليجب: من الذي كشف فضيحة باخرة “Hawk III” حين كانت كل أجهزة الدولة “نايمة”؟ من الذي حذّر علنًا من أنّ هذه الباخرة تهرّب النفط الروسي إلى لبنان؟ من الذي وضع إصبعه على ملف النفط الروسي حين كان الجميع يتصرّف كأن شيئًا لم يحدث؟ في وقتٍ كانت فيه أجهزة الأمن والمخابرات والوزارات تتغاضى، كان فوزي مشلب يرفع الصوت ويكشف المستور.


من المؤسف أن يتحوّل الدفاع عن المال العام إلى “حقدٍ أعمى” في نظر البعض. منطق “التحليل النفسي” الذي يستخدمه بعض الكتّاب لتوصيف الغضب من الفساد لا يبرّر الفشل في الردّ بالأرقام. الحقد الحقيقي هو حقد الفاسدين على من يفضحهم، والعداء الأعمى هو عداء من يخافون من الحقائق الموثّقة. هؤلاء لا يملكون سوى الشعارات لتشويه من يهدّد مصالحهم. لم نرَ أحدًا منهم يقدّم تفنيدًا بالمستندات لما نشره مشلب عن التلزيمات أو عن النفط الروسي. كل ما لديهم سيلٌ من النعوت: “مسيّس”، “حاقد”، “ببغائي”، بينما الوثائق التي يحملها مشلب تبقى عصيّة على النفي.


البعض يحاول تصوير الأمر وكأن فوزي مشلب يهاجم فقط وزراء “القوات اللبنانية”. تلك محاولة بائسة لتحويل النقاش من الجوهر إلى الشكل. القضية ليست بعدد الوزراء الذين ينتقدهم، بل بعدد الملايين التي تُهدر في قطاع الطاقة منذ أكثر من عقد. كل تغريدةٍ من مشلب هي جرس إنذار جديد، وكل صمتٍ من خصومه هو إقرارٌ ضمني بأنّ كلامه يصيب الهدف.


في دولة تحترم نفسها، يُكرَّم فوزي مشلب بأرفع وسام وطني. لكن في لبنان، حيث يُكافأ من يغطي الهدر، يُعاقَب من يكشفه. هذا هو التناقض الذي نعيشه: الناهب يصبح “صاحب إنجاز”، والمبلّغ عن الفساد يتحوّل إلى “خصمٍ سياسي”. فوزي مشلب ليس خصمًا لأحد، بل خصمٌ لكل منظومةٍ سرقت مستقبل اللبنانيين. ولو كانت هناك دولة حقيقية، لكان اسمه محفورًا في سجلّ الشرف الوطني لا في لائحة “المغضوب عليهم”.


ما يتعرّض له فوزي مشلب اليوم ليس سوى فصلٍ جديد من معركة يخوضها منذ سنوات ضد الكارتيل الذي تحصّن خلف كل العهود وكل الحكومات. في زمن الصمت، اختار أن يتكلم. في زمن التواطؤ، اختار أن يواجه. لذلك، من الطبيعي أن يتكالب عليه من استفاد من النظام الفاسد. لكن الحقيقة تبقى ساطعة: فوزي مشلب هو الضمير الذي لم يُشترَ، والاسم الذي لم يُطوّع، والرجل الذي واجه فساد الأحزاب مجتمعة ولم يتراجع.


الفساد لا دين له، وفوزي مشلب ديانته مكافحة الفساد.


يا عيب الشوم على من يهاجم من يُنقذ ما تبقّى من كرامة الدولة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة