المحلية

ليبانون ديبايت
الثلاثاء 28 تشرين الأول 2025 - 16:42 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

فريق المتاجرة بالمغتربين... الازدواجية السيادية بأبهى تجلياتها

فريق المتاجرة بالمغتربين... الازدواجية السيادية بأبهى تجلياتها

ليبانون ديبايت – الافتتاحية


يتكشّف يوماً بعد يوم زيف الادعاءات التي يرفعها من يسمّون أنفسهم بـ"الفريق السيادي"، ولا سيما في ما يتعلّق بملف اقتراع المغتربين اللبنانيين في الخارج. هذا الفريق الذي لا يتردّد في تسويق نفسه حارساً للسيادة والمدافع عن الدستور، يمارس في الواقع أعلى درجات الازدواجية السياسية، في مشهدٍ يُعيد إنتاج السلوك ذاته الذي طالما اتهم به خصومه.


ولعلّ الذاكرة تنفع، فهؤلاء الذين يرفعون اليوم شعار "حقوق المغتربين"، هم أنفسهم من كانوا بالأمس القريب يتّهمون خصومهم بالانقلاب على المؤسسات حين كانوا يقاطعون جلسات انتخاب رئيس الجمهورية. كانوا يملأون المنابر صراخاً دفاعاً عن "استمرارية الدولة" و"واجب التشريع"، واليوم، حين تغيّرت المصلحة، بات التعطيل عندهم موقفاً سيادياً ومبدئياً! أي سيادةٍ هذه التي تتبدّل وفق جدول المغانم السياسية، وأي مبدئيةٍ تلك التي تُباع وتُشترى مع كل موسم انتخابي؟


في الحقيقة، ما يجري في مجلس النواب لا علاقة له بحقوق المغتربين ولا بمبدأ التمثيل الديموقراطي، بل هو جزء من بازار سياسي داخلي يُستخدم فيه المغتربون وقوداً للمزايدات الانتخابية والتجييش الطائفي. فالقضية ليست دفاعاً عن حق، بل استثمارٌ في خطاب شعبوي هدفه استنهاض جمهورٍ خامل، وخلق عنوانٍ زائف لمعركة لا تتجاوز حدود المناورة الانتخابية.


أما الأخطر، فهو أن من يتقدّم اليوم صفوف هذه الحملة هو سمير جعجع، الذي يحاول تصوير نفسه زعيماً لمعركة سيادية لا تمتّ لا للسيادة ولا للاغتراب بصلة. فجعجع، الذي يسعى دوماً إلى احتكار تمثيل ما يسمّيه "الخط السيادي"، حوّل الفكرة إلى مسرح حزبي مكشوف، ومادة للتسويق السياسي الرخيص، لا تحمل أي مضمون وطني حقيقي. والأدهى أن الرجل نفسه الذي يتباكى على حقوق المغتربين، يتولّى اليوم أربع وزارات في الحكومة، بينها وزارة الطاقة، التي وعد اللبنانيين بإصلاحها حين كان في المعارضة، ورفع شعار "الكهرباء 24/24".


تسعة أشهر مضت على وجوده في الحكم، فماذا أنتج؟ لا كهرباء ولا إصلاح، بل استمرار للفشل المزمن والسياسات الجوفاء ذاتها التي أغرق فيها اللبنانيون على مدى سنوات. فبدلاً من أن يوجّه جهوده نحو إنقاذ قطاع الطاقة، يختار جعجع خوض معارك جانبية لا تقدّم ولا تؤخّر، سوى أنها تغذّي غروره السياسي وتمنحه مادة للتصعيد أمام جمهوره.


القانون الانتخابي الذي يحدّد آلية اقتراع المغتربين، والذي وافق عليه هذا الفريق نفسه بكل تفاصيله، لم يكن موضع اعتراض يوماً. فلماذا إذاً يُثار الموضوع اليوم، وفي هذا التوقيت تحديداً؟ الجواب بسيط: لأن الحسابات الانتخابية عادت لتفرض نفسها، ولأن "الحقوق" عند هذا الفريق ليست سوى عنوان مؤقّت يُستدعى عند الحاجة ثم يُحفظ في الأدراج.


باختصار، إنّ ما نشهده اليوم ليس دفاعاً عن المغتربين بل عن المقاعد، وليس تمسكاً بالسيادة بل بالمصلحة. إنّه درسٌ جديد في الانتهازية السياسية يقدّمه "فريق المتاجرة بالمغتربين"، حيث تُختزل القضايا الوطنية إلى أدوات للمناورة، ويُستبدل الوطن بموسم انتخابي جديد، بينما يبقى اللبناني – في الداخل كما في الاغتراب – الضحية الدائمة للخطاب الفارغ والازدواجية المقيتة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة