تقترب شركة OpenAI، صانعة برنامج ChatGPT، من منعطفٍ تاريخي قد يعيد تشكيل ملامح صناعة التكنولوجيا العالمية. فبعد ثماني سنوات من انطلاقتها كمنظمةٍ غير ربحية تهدف إلى تطوير "ذكاءٍ اصطناعي يخدم البشرية"، تمضي الشركة اليوم بخطى واثقة نحو التحوّل إلى كيانٍ تجاري عملاق قادر على منافسة كبريات شركات التكنولوجيا في العالم، من حيث النفوذ والقيمة السوقية.
بحسب وكالة رويترز، تستعد الشركة لتقديم طلب طرحٍ عام أولي (IPO) في النصف الثاني من عام 2026، في خطوة قد تمنحها تقييمًا قياسيًا يبلغ تريليون دولار، لتكون من أضخم الاكتتابات في التاريخ. وتأتي هذه الخطوة بعد إعادة هيكلةٍ قانونية شاملة، حوّلت الشركة إلى "شركة منفعة عامة" تجمع بين الأهداف الربحية والرسالة الإنسانية.
وفي بيانٍ رسمي، أوضح متحدث باسم الشركة أنّ "الطرح العام الأولي ليس محور اهتمامنا في الوقت الراهن، إذ نركّز على بناء نموذجٍ أعمالٍ متين يضمن استفادة البشرية جمعاء من الذكاء الاصطناعي العام".
ومع ذلك، كشف الرئيس التنفيذي سام ألتمان أنّ OpenAI التزمت بخطط إنفاقٍ هائلة تبلغ 1.4 تريليون دولار لتطوير البنية التحتية للذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة، ما يجعل الطرح العام وسيلة أساسية لتأمين التمويل المطلوب.
في موازاة هذا التحوّل، أعلنت الشركة إتمام اتفاقية جديدة مع "مايكروسوفت"، تمنح عملاق البرمجيات الأميركي حصةً تبلغ نحو 27% من OpenAI الجديدة، بقيمةٍ تقدّر بأكثر من 100 مليار دولار. وتقدّر القيمة السوقية الحالية للشركة بـ 500 مليار دولار وفق آخر عملية بيعٍ لأسهم الموظفين.
وأشار تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية إلى أنّ إعادة الهيكلة تُمهّد الطريق أمام OpenAI لجمع رأس المال بسهولةٍ أكبر، مع احتفاظ كيانها غير الربحي بدور الإشراف لضمان التوازن بين الابتكار والمسؤولية الاجتماعية.
يرى خبير أسواق المال محمد سعيد أنّ خطوة OpenAI "تشكّل نقلة نوعية في عالم التكنولوجيا"، موضحًا أنّ "الطرح العام المحتمل بقيمة تريليون دولار سيمنح الشركة قوة مالية هائلة لتمويل مشاريعها الضخمة".
وقال سعيد لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "الهدف من هذا الطرح لا يقتصر على جمع السيولة، بل على تمويل خطط استراتيجية كبرى مثل مشروع Stargate لبناء مراكز بيانات متخصّصة بالذكاء الاصطناعي بتكلفةٍ قد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات."
وأضاف: "هذا التمويل سيسمح لـ OpenAI بتسريع أبحاثها نحو تحقيق الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، وتطوير مشروعات طموحة مثل الباحث الآلي المستقل القادر على إدارة مشاريع علمية كاملة بحلول عام 2028."
من جهته، أوضح استشاري تكنولوجيا المعلومات عاصم جلال أنّ التحوّل إلى شركة مساهمة عامة سيجلب تغييراتٍ جوهرية في توجهات الشركة، قائلاً: "ستواجه OpenAI ضغوطًا متزايدة لتحقيق أرباحٍ ثابتة ورفع مستويات الإيرادات لتلبية توقعات المستثمرين، ما سيدفعها إلى التركيز أكثر على المنتجات والخدمات المدفوعة، مثل حلول الذكاء الاصطناعي للشركات."
وأشار جلال إلى أنّ "التحول التجاري قد يقلّص بعض مبادرات الأبحاث المفتوحة أو المجانية، لكنه في الوقت نفسه سيعزّز قدرة الشركة على بناء شراكات استراتيجية مع الحكومات والمؤسسات الكبرى، ضمن إطارٍ تنظيمي وأخلاقي عالمي أكثر صرامة."
بهذا التحوّل، تفتح OpenAI صفحةً جديدة في مسيرتها من منظمةٍ غير ربحية إلى قوة اقتصادية تكنولوجية هائلة، تنافس عمالقة القطاع مثل غوغل، أمازون، ومايكروسوفت.
لكنّ المراقبين يرون أنّ التحدّي الأكبر أمام الشركة سيكون في الموازنة بين رسالتها الإنسانية الأولى وبين ضغوط السوق والمساهمين لتحقيق عوائد مالية متواصلة.
ويختصر أحد المحللين المشهد بالقول: "الرهان التريليوني لـ OpenAI لن يُختبر بالأرقام فقط، بل بقدرتها على إثبات أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مشروعًا ربحيًا وإنسانيًا في آنٍ واحد."
 
                                                                                                         
                         
                                 
             
             
             
             
                    
                     
                    
                     
                    
                     
                    
                     
                    
                     
     
    
    