المحلية

ليبانون ديبايت
الجمعة 31 تشرين الأول 2025 - 16:36 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

جعجع يُطلق "أمّ معاركه" بوجه الدولة ورئيسها

جعجع يُطلق "أمّ معاركه" بوجه الدولة ورئيسها

الافتتاحية – "ليبانون ديبايت"


من جديد، أطلّ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عبر شاشة “mtv” في مقابلة ضمن برنامج “صار الوقت”، ليقدّم ما يشبه عرضًا انتخابيًا متواصلًا أكثر منه قراءة وطنية متّزنة. تحدّث بعصبية انتخابية واضحة، واتّهم رئاسة الجمهورية والحكومة بالتباطؤ في تعديل قانون الانتخاب وبالافتقار إلى الحسم في الملفات الكبرى، ملوّحًا بأنّ "القوات سيكون لها موقف مختلف" إذا لم تَسِر الرياح كما تشتهي سفنه. لكنّ مضمون الخطاب، وهو ليس بخطاب، لا يعكس موقف رجل دولة، بل ذهنية رئيس ماكينة انتخابية مأزومة تبحث عن شدّ العصب ولو على حساب المؤسسات. فلبنان ليس ساحة اختبارٍ للابتزاز السياسي، بل دولة قائمة على منظومة توافق دقيقة تفرض الحوار لا الإملاء، والتفاهم لا التصعيد.


قال جعجع بالحرف: “لمسنا في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أمرًا غير واضح حول ملفّ الانتخابات النيابية، وإذا ما استمرّت الأمور كذلك تأخيرًا وتسويفًا فسيكون لنا موقف مختلف”. هذا الكلام يكشف أنّ رئيس “القوات” يتعامل مع الحكومة كأنّها جهاز تابع له، كجهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات "لا سمح الله". فإحالة قانون الانتخاب إلى لجنة وزارية ليست تسويفًا بل ممارسة دستورية. ومن يعرف تركيبة لبنان منذ قيامه، يدرك أنّ أيّ تعديل انتخابي يحتاج إلى توافق وطني عريض لا إلى تهديد من معراب. ورئيس الجمهورية، الذي يدير هذا الملف بعقلية مؤسساتية، لا يمكن أن يرضخ لأسلوب التهديد الذي يتنافى مع قواعد الشراكة السياسية.


جعجع قال أيضًا: “ننتظر كيف ستتّجه الأمور، وإلّا سيكون لنا موقف مختلف”. هذا المنطق، الذي يقوم على التهديد والوعيد، لا يليق بمن يزعم الدفاع عن الديمقراطية، لا قدّر الله. فمتى يخرج جعجع من عقلية “البلطجي السياسي” الذي يرفض خلع لباس "الميليشيا" القديم؟ فالمؤسسات تحكمها القوانين لا المزاج "القواتي"، ولا منطق “إمّا كما أريد أو لا شيء”. ثمّ إنّ التهديد ليس لغة رجال الدولة، بل سلوك من يريد افتعال "أزمة" لتعبئة جمهوره.


وأضاف جعجع: “هناك انتخابات بعد 6 أشهر وما نزال نعرج هنا ونتلكّأ هناك، وصحيح أنّ وزراء القوات أرادوا أكثر من مرة الخروج من الجلسة وقد تمنى عليهم الرئيس عون البقاء”. هنا الردّ بسيط: جعجع يمارس الابتزاز لا السياسة. فكيف يمكن لمن يلوّح بالانسحاب من الجلسات الحكومية أن يعيب على الآخرين بطء المعالجة؟ والانسحاب لأنّ جدول الأعمال لا يناسبك ليس موقفًا وطنيًا، بل انقلاب على المؤسسات.


أمّا قول جعجع: “مرّت علينا 10 سنوات ونحن نعمل على قانون الانتخاب…”، فهو إدانة لنفسه قبل أن يكون تبريرًا. جعجع الذي استغرق عقدًا كاملًا لإقرار القانون الانتخابي، يريد من الرئيس جوزيف عون أن يقدّم قانونًا جديدًا خلال أسابيع. ناهيك عن أنّ مسألة اقتراع المغتربين ليست تفصيلًا إداريًا، بل قضية تمسّ أكثر من عشرين مقعدًا نيابيًا وتعيد رسم التوازن الوطني.


وفي معرض دفاعه عن اقتراح القانون الموقّع من 67 نائبًا، قال جعجع: “اقتراح القانون عمره 6 أشهر في أدراج المجلس”، مضيفًا أنّ “الرئيس بري يجب أن يضع كل مشاريع القوانين في الهيئة العامة”. هذا الادعاء غير صحيح، فاللجان النيابية اجتمعت مرارًا بحضور وزيري الداخلية والخارجية اللذين طلبا مهلة لتقديم الصيغة الحكومية النهائية. نقل الملف إلى الحكومة تمّ ضمن الأصول، وبعد أشهر عادت الحكومة لتعلن أنّها لم تتفق بعد. من يُعطّل فعلًا هو من يهاجم اللجان ويبتزّ المجلس النيابي ليحصل على قانون على مقاس أحلامه.


قال جعجع كذلك: “ننتظر تسلسل الأحداث كي نرى أداء الرئيس عون، وبرأيي كان يجب التصرف بشكل مختلف لأننا أصبحنا في بوز الخطر”. الردّ أنّ التصرف المختلف المطلوب هو أن يتوقف جعجع عن حملته الممنهجة ضد الرئاسة، فالرئيس عون يتصرّف بمسؤولية وفق مصلحة جميع المكونات الوطنية، لا وفق أهواء جعجع أو حساباته الانتخابية. ومن الطبيعي أن يختار رئيس الجمهورية التريّث والعقلانية بدل الانفعال والمزايدات، فعون هو رئيس كل لبنان، وهذا ما لن يفهمه جعجع يومًا.


وحين سُئل "الحكيم" عن ملفّ السلاح، كرّر معزوفته القديمة قائلًا: “على رئيس الجمهورية أن يقول لمسؤولي حزب الله إنه لا حلّ إلا بحلّ الجناح العسكري”. الردّ أنّ جعجع يُكرّر الكلام نفسه منذ عشرين عامًا دون نتيجة، فقد شارك في حكومات غطّت السلاح وتجاهلته، فيما الرئيس، وفي أقل من ستة أشهر، عمل على إصدار قرار حصر السلاح ضمن المؤسسات الشرعية. وهنا الفرق واضح بين من يتّخذ خطوات عملية وبين من يهوى الضجيج الإعلامي.


وحين يتحدث عن “السرعة وأسلوب المقاربة” في اقتراع المغتربين، معترفًا بأنّ “الرئيسين عون وسلام كانا واضحين بتأييد الاقتراع للدوائر الـ128”، فهو يعترف ضمنًا بأنّ المشكلة في الإيقاع لا في المبدأ، لكنه يحوّل المسألة التقنية إلى مادة تحريض سياسي لتعبئة جمهوره.


وفي تكرار مملّ لخطابه حول السلاح، قال جعجع: “على الأجهزة الأمنية أن تمارس عملها وتضبط كل مخالف، وهكذا تقوم الدولة، إنّ السلطة هيبة”. الردّ أنّ جعجع يتعامل مع أكثر الملفات حساسية بولدنة وخفة سياسية. فالمسؤول لا يطلق الأوامر عبر الشاشات، ولا يهدّد بحروب وهمية. ومن المعروف أنّ جعجع خاض كل معاركه ضد السلاح على الورق فقط، فيما الرئاسة تعمل تحت سقف القرار 1701 والشرعية الدولية بهدوء ومسؤولية.


في المحصّلة، لا يقدّم جعجع حلولًا بل يزرع الانقسامات ويرمي التعليمات يمينًا ويسارًا. يهاجم الرئاسة لأنّها لا تخضع لمنطقه، ويزايد على الحكومة لأنّها تعمل وفق الأصول، ويتحدث عن السلاح كأنّه اكتشاف جديد. أمّا الرئاسة، فتعمل بعقلانية رجل الدولة، وتوازن بين الداخل والخارج، وبين الواقعية والمبادئ. وبين منطق ماكينة انتخابية تبحث عن الضجيج، ورئاسة تراكم الخطوات في الممكن الوطني، تبقى الكفّة واضحة: الأول يصرخ ليبقى في الصورة، والثانية تعمل لتُبقي الوطن في موقعه.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة