"ليبانون ديبايت"
في ظلّ تزايد التوتر على الحدود الجنوبية وعودة الحديث عن دور اللجنة الخماسية ومساعي واشنطن لتوسيع صلاحياتها، حذّر الخبير العسكري العميد بهاء حلال في حديثٍ خاص لموقع "ليبانون ديبايت" من محاولات أمريكية–إسرائيلية للسيطرة على القرار الأمني اللبناني، عبر طرح لجان جديدة قد تؤدي إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل وفتح الباب أمام مشروع نزع سلاح حزب الله بالقوة، مشددًا في المقابل على أنّ الجيش اللبناني ملتزم بعقيدته القتالية في الدفاع عن الأرض والسيادة.
وأوضح حلال أنّ الطرح المتعلق بعمل اللجنة الخماسية، برئاسة الولايات المتحدة، يثير تساؤلات جوهرية حول مدى قيامها فعلاً بالمهمة المطلوبة في مراقبة وقف إطلاق النار وضبط العمليات العدائية، والإشارة إلى من يقوم بخرق وقف إطلاق النار.
وأكد أنّ اللجنة لم تقم بدورها كما يجب، مشيرًا إلى أنّ المطالبة اللبنانية الرسمية، عبر رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي، كانت دائمًا بضرورة أن تأخذ هذه اللجنة دورها الفعلي، إلا أنّ ذلك لم يتحقق عمليًا.
وأضاف العميد حلال أنّ الجنرال مايكلز، الذي تسلّم رئاسة اللجنة مؤخرًا بعد ضابطين سابقين، وعد رئيس الجمهورية بتفعيل دور اللجنة والعمل على الحد من الأعمال العدائية الإسرائيلية، إلا أن هذا الوعد سقط سريعًا بعد أن أقدم العدو الإسرائيلي، في الليلة نفسها أو في اليوم التالي، على تنفيذ هجوم وتوغّل باتجاه بلدية بليدا وقتل أحد عناصر البلدية.
وأوضح أنّ الجيش اللبناني تدخّل بعد انسحاب العدو، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية إلى استدعاء قائد الجيش والاطلاع منه على ما حدث في العملية، وإعطائه توجيهات كقائد أعلى للقوات المسلحة بأن يتصدّى الجيش لأي تغوّل إسرائيلي جديد، وبالتالي يجب على اللجنة الخماسية أن تأخذ دورها.
وتابع حلال قائلاً إنّ هذا التصعيد دفع إلى الكشف عن اقتراحات أمريكية بتوسيع صلاحيات اللجنة لتشمل كامل الحدود اللبنانية، بما فيها الحدود مع سوريا، معتبرًا أنّ ذلك يعكس رغبة إسرائيلية–أمريكية مشتركة في التواجد على الحدود اللبنانية–السورية بحجة منع تهريب أو تصنيع الصواريخ المضادة للدبابات، التي يزعم الإسرائيليون أنّ حزب الله يهرّب المواد الأولية لتصنيعها.
وأشار إلى أنّ هذه الاقتراحات تأتي في سياق الضغط لدفع لبنان نحو مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، رغم أنّ الموقف اللبناني الرسمي كان واضحًا بالتفاوض غير المباشر فقط، عبر توسيع لجنة الميكانيزم وضمّ ضباط وتقنيين وخبراء لبنانيين من الجيش والمستوى المدني من أجل قيادة التفاوض غير المباشر للوصول إلى حلّ للأزمة التي يرزح لبنان تحتها منذ عام 2024 بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان.
ولفت إلى أنّ الإسرائيلي لم يقبل بهذا الاقتراح، لذلك جاء الطرح الإسرائيلي–الأمريكي لتشكيل لجنة ثلاثية برئاسة أمريكية، ما يؤذن، وفق حلال، بمفاوضات مباشرة، معتبرًا أنّ هذا الطرح ليس في مصلحة لبنان، لأن البلاد منقسمة عموديًا بين مؤيد ومعارض، وبالتالي فإن الهدف منه إثارة فتنة داخلية تتيح لهم فرض نزع سلاح حزب الله بالقوة.
وأوضح أنّه لا يعتقد أن هذا الطرح سيمرّ، معتبرًا أنّ الخيار الأجدى هو تفعيل لجنة الميكانيزم وتوسيعها لتضمّ خبرات لبنانية رسمية، مرجّحًا أن يكون هناك تواصل مباشر عبر وجود هذه الخبرات ضمن إطار عمل اللجنة، من دون الانجرار إلى مفاوضات مباشرة.
أما عن قراءته لتوجيهات الرئيس عون للجيش بالتصدي لأي توغّل، أوضح العميد حلال أنّ المهمة الأساسية للجيش اللبناني، وفقًا لعقيدته القتالية، هي الدفاع عن الأرض والمواطنين وتحرير الأراضي اللبنانية من أي احتلال، مؤكدًا أنّ هذه العقيدة هي جوهر وجود المؤسسة العسكرية وسبب تأسيسها.
وأشار إلى أنّ لبنان ما زال يرزح تحت احتلال إسرائيلي ناتج عن الحرب التي شُنّت عليه في أيلول 2024، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال يمتدّ على نحو 100 كيلومتر من الحدود الجنوبية، من تلة اللبونة حتى تلة الحمامص، حيث تقع نحو 11 تلة تحت السيطرة الإسرائيلية.
وقال حلال: "من البديهي أن تكون مهمة الجيش هي تحرير هذه الأراضي، وهذا ما فعله رئيس الجمهورية عندما أعطى الأمر الأساسي، كقائد أعلى للقوات المسلحة، للجيش اللبناني بالتصدي للاعتداءات الإسرائيلية التي تجاوزت كل الحدود".
وأضاف أنّ هذا القرار طبيعي ومنطقي لأنه يندرج ضمن صلب واجبات الجيش، وليس خيارًا أو اجتهادًا، بل مهمة إلزامية تنفَّذ انسجامًا مع عقيدة المؤسسة العسكرية.
وردًا على سؤال حول قدرة الجيش على تنفيذ هذه المهمة، أكد العميد حلال أنّ الجيش يمتلك القدرات البشرية والميدانية التي تمكّنه من صدّ أي توغّل محدود، لكنه أوضح أنّ ميزان القوى العسكرية في حال تطور الأمور إلى مواجهة شاملة يبقى راجحًا لصالح العدو الإسرائيلي، لأنّ الجيش اللبناني ممنوع من قبل الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة، من التزود بأسلحة نوعية مثل منظومات الدفاع الجوي أو الأسلحة المضادة للمدرعات.
وأشار إلى أنّ الجيش اللبناني يمتلك بعض الصواريخ المضادة للدروع مثل صواريخ “ميلان” الفرنسية، إلا أنّ ما يثير قلق إسرائيل هو احتمال أن يكون الجيش قد حصل على بعض الأسلحة المتطورة الموجودة لدى حزب الله، الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى مراقبة دقيقة لتفجير كافة الأسلحة التي يصادرها الجيش، خصوصًا من قبل الموفدة الأمريكية مورغن أوتيغوس وغيرها.
وختم العميد حلال حديثه بالتأكيد على أنّ الجيش اللبناني سينفّذ قرار السلطة التنفيذية بالتصدي لأي اعتداء أو توغّل إسرائيلي، قائلاً: "الجيش قادر على مواجهة أي خرق ميداني، وهذا قدرنا كعسكريين. إن استُشهدنا نكون قد أدّينا واجبنا، وإن نجحنا في الدفاع عن أرضنا نكون أيضًا قد أدّينا واجبنا بالكامل".
ودعا السلطة التنفيذية إلى إدراج ملف تسليح الجيش على جدول أعمالها والعمل على تأمين السلاح من أي مصدر متاح، لضمان جهوزية المؤسسة العسكرية في مواجهة التحديات والاعتداءات الإسرائيلية المقبلة.