أكد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) في ورقة استراتيجية أن على إسرائيل أن تبدأ منذ الآن الاستعداد لمرحلة «ما بعد ترامب»، مشدِّدًا على أن المشهد الإقليمي والدولي يتضمّن متغيرات قد تؤثّر في مستوى الدعم الأميركي لإسرائيل، وموصياً بوضع أجندة إسرائيلية جديدة تتناول سوريا وإيران ولبنان وغزة، فضلاً عن تعزيز العلاقات الاستخباراتية والدفاعية مع حلفاء دوليين مثل تحالف "العيون الخمس".
وجاء في الورقة أن استطلاعات الرأي تُظهر انخفاضًا ملحوظًا في دعم الجمهور والمؤسسة التشريعية الأميركية لإسرائيل، لافتةً إلى أن هذا التراجع بلغ مستويات غير مسبوقة خلال الـ25 سنة الأخيرة. واعتبرت الورقة أن الرئيس ترامب يشكّل استثناءً بسبب ميله الواضح لدعم إسرائيل، لكنّ المعهد حذّر من عدم جواز افتراض استمرار هذا الانحياز لفترة أطول.
وأضاف المعهد أنّ "الولايات المتحدة تشهد تغيّرات داخلية وديموغرافية وسياسية تؤثر في المواقف حيال إسرائيل"، مشيراً إلى نمو الصوت التقدمي داخل الأوساط الأميركية الذي يميل إلى تعاطف أكبر مع الفلسطينيين، في مقابل تراجع تدريجي للشرائح التقليدية المؤيدة القوية لإسرائيل مثل بعض الفئات الإنجيليّة البيض.
وعن مسارات السياسة المطلوبة، شدّدت الورقة على عدّة محاور رئيسية:
قضية الفلسطينيين وغزة: ترى الورقة أنّ على إسرائيل استثمار نافذة الفرصة المتاحة خلال ولاية ترامب لرسم ملامح سياسية قد تُنهي حالة الحرب الحالية في غزة عبر فصل بين دولة إسرائيل وكيان فلسطيني بسلطات محدودة ومنزوعة السلاح، مع إبقاء ضمانات أمنية لصالح إسرائيل.
إيران واستراتيجية ذات مستويين: أوصت الورقة بسياسة ضغط اقتصادي قد تزعزع النظام الإيراني لاستدراجه إلى صفقة نووية أفضل، وفي الوقت نفسه اقتراح الاستعداد لصياغة اتفاق نووي محكم حال بقاء النظام، مع التأكيد على ضرورة منع امتلاك طهران للسلاح النووي نهائيًا.
سوريا: دعت إلى توجيه سوريا نحو نظامٍ معتدلٍ ومستقر لا يسمح بظهور تهديدات تضر بأمن إسرائيل، وفتح مسارات تضمن عدم دعم مجموعات مسلحة معادية، وصولًا إلى علاقات دبلوماسية مقبلة قد تصل إلى تطبيع مشروط.
لبنان ونزع سلاح "حزب الله": اعتبرت الورقة أن إضعاف القدرات العسكرية لمن تعتبرهم إسرائيل "مجموعات مسلحة" في لبنان جزء أساسي من استراتيجية تهدف إلى تمكين الحكومة اللبنانية من المطالبة بنزع السلاح، مؤكدةً ضرورة التحرك بسرعة أكبر في هذا المسار.
تعزيز العلاقات مع واشنطن وحلفاء استخباريين: دعت الورقة إلى بلورة مذكرة تفاهم جديدة مع الولايات المتحدة تُحوّل تدريجيًا طبيعة العلاقة من إعانة مباشرة إلى شراكة عمل استراتيجية، بالإضافة إلى السعي لدمج إسرائيل في إطار تحالف "العيون الخمس" لتقوية تبادل المعلومات الاستخبارية وتعزيز موقعها الأمني والسياسي عالميًا.
كما أوصت الورقة بتدعيم التعاون في مجالات "التكنولوجيا العميقة" (DeepTech)، بينها الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي، باعتبارها محاور حاسمة لتفوق مستقبلي على الصعيدين الأمني والاقتصادي.
أشار المعهد إلى أن على إسرائيل استغلال فترة التحالف الوثيق مع إدارة ترامب الحاليّة للانطلاق في تطبيق هذه السياسات، "ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار أن النافذة قد تُغلق سريعًا مع تغيّر المشهد السياسي داخل الولايات المتحدة".
تابع المعهد قائلاً إنّ "التخطيط الاستراتيجي يجب أن يستند إلى قراءة موضوعية للتحولات الديموغرافية والسياسية في الولايات المتحدة، وإلى بناء بدائل دبلوماسية وعسكرية واقتصادية تقلّل من هشاشة الموقف الإسرائيلي في حال تبدّل الدعم الأميركي". وأضافت الورقة أنّ دمج إسرائيل في شبكات استخباراتية أوسع والعمل على شراكات تكنولوجية متقدّمة سيعززان من قدرتها على مواجهة تحديات ما بعد ترامب.