أثار قرار الإفراج عن هانيبال القذافي في لبنان موجة واسعة من التفاعل والتساؤلات، حول ما إذا كانت هذه الخطوة تمهّد لمرحلة جديدة من العلاقات اللبنانية – الليبية بعد أكثر من أربعة عقود من التوتر والجمود الدبلوماسي الذي خلفته قضية اختفاء الإمام موسى الصدر والملفات السياسية والقضائية المرتبطة بها.
في أول تعليق رسمي، اعتبر وزير الدولة للاتصال في حكومة الوحدة الوطنية الليبية وليد اللافي أنّ ما حدث "إنجاز للدولة الليبية والدبلوماسية الوطنية أكثر منه إنجازًا لحكومة بعينها"، مؤكدًا أنّ الإفراج عن هانيبال القذافي يمثل "نجاحًا وطنيًا يعكس حضور ليبيا الإيجابي في الساحة الدولية".
وأوضح اللافي أن الحكومة الليبية تابعت ملف مواطنيها الموقوفين في الخارج، وتمكنت هذا العام من تأمين الإفراج عن 35 موقوفًا في عدد من الدول، مشيرًا إلى أن إطلاق سراح هانيبال القذافي جاء نتيجة تحركات دبلوماسية ليبية مباشرة، لا عبر صفقات أو تفاهمات سرية.
وأضاف أنّ الرئاسة اللبنانية أبدت تجاوبًا كبيرًا وأظهرت رغبة في تطوير العلاقات الثنائية، معتبرًا أن ما جرى "اختراق مهم في علاقة شهدت توترًا لأكثر من 40 عامًا"، مشددًا على أن حكومة الوحدة الوطنية تكفلت بدفع الكفالة البالغة 900 ألف دولار للإفراج عن القذافي.
في بيروت، رأى المحلل السياسي اللبناني الدكتور جمال واكيم أن الإفراج عن هانيبال القذافي قد يشكّل نقطة تحوّل في العلاقات بين لبنان وليبيا، معتبرًا أنّ الخطوة تحمل دلالات سياسية وإنسانية أكثر منها قانونية.
وقال واكيم في تصريح خاص إنّ "القضية شكّلت حرجًا كبيرًا للبنان على الصعيدين الحقوقي والدبلوماسي"، لافتًا إلى أنّ القرار يعكس توجهًا جديدًا لدى الحكومة اللبنانية الحالية للتعامل مع الملف الليبي "بعيدًا عن الضغوط السياسية".
وأوضح أنّ قضية اختفاء الإمام موسى الصدر "ما زالت عالقة وتحتاج إلى معالجة عادلة"، مؤكدًا أن "هانيبال القذافي لم يكن طرفًا فيها، إذ كان طفلًا وقت وقوع الحادثة"، داعيًا إلى طي صفحة الخلافات القديمة بما يضمن العدالة ويعيد الثقة بين البلدين.
من جهته، رأى المحلل السياسي أمين بشير أنّ الخطوة اللبنانية تعكس تحولًا إيجابيًا في الموقف الرسمي، معتبرًا أنّ "الإفراج عن القذافي مؤشر إلى تحرّر القرار اللبناني تدريجيًا من التجاذبات السياسية الداخلية، خصوصًا من نفوذ الثنائي الإيراني".
وقال بشير إنّ "لبنان بدأ يستعيد دوره الدستوري الطبيعي في اتخاذ قراراته السيادية"، معتبرًا أنّ المرحلة المقبلة قد تشهد مزيدًا من الانفتاح بين بيروت وطرابلس في الملفات الاقتصادية والسياسية.
من الجانب الليبي، أكّد المحلل السياسي محمد الناكوع أن الإفراج عن القذافي ستكون له انعكاسات إيجابية كبيرة على العلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى أن الحكومة الليبية "تعتزم إعادة تفعيل الاستثمارات والأموال الليبية المجمدة في لبنان"، إلى جانب فتح قنوات اقتصادية وسياحية جديدة.
وأوضح الناكوع أن الوساطة التي قادها الائتلاف الليبي–الأميركي برئاسة فيصل الفيتوري لعبت دورًا في تسوية الملف بالتنسيق مع عائلة الإمام الصدر وجهات أميركية، مؤكدًا أنّ هذه الجهود "مهّدت الطريق لزيارة وفد رسمي ليبي إلى بيروت لإنهاء الملف وفتح مرحلة جديدة من التعاون".
وأشار إلى أن المرحلة المقبلة قد تشهد استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين بيروت وطرابلس، وتبادل الزيارات الرسمية والبعثات الدبلوماسية، معتبرًا أن "البلدين أمام فرصة تاريخية لتطبيع كامل العلاقات وتعزيز التعاون في مجالات الأمن والاستثمار والبنى التحتية".