كشفت تقارير إعلامية إيرانية ودولية عن تحرك واسع تقوم به طهران لتحديث سلاحها الجوي بعد الهزائم التي منيت بها خلال حرب الاثني عشر يوماً مع إسرائيل في حزيران الماضي، والتي أظهرت فجوات خطيرة في قدرات إيران الدفاعية والهجومية على حدّ سواء.
ففي أيلول الماضي، نقلت وسائل إعلام عن عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني أبو الفضل ظهروند قوله إن طائرات روسية من طراز "ميغ-29" (Mig-29) وصلت إلى قاعدة شيراز الجوية، وهي من أبرز القواعد الاستراتيجية المكلفة بالدفاع عن وسط وجنوب البلاد، في خطوة تهدف إلى تعزيز القوات الجوية بعد الخسائر التي لحقت بها بفعل الضربات الإسرائيلية.
وأشار ظهروند إلى أن "الميغ-29" تمثل "حلاً مؤقتاً" لتلبية الاحتياجات العاجلة، إلى حين تسلّم طائرات أكثر تطوراً مثل "سو-35" (Su-35) الروسية المعروفة بلقب "فلانكر إي". وأكدت وكالة رويترز في تقرير سابق أن إيران أبرمت بالفعل اتفاقاً مع موسكو للحصول على 48 مقاتلة من هذا الطراز خلال السنوات الثلاث المقبلة، بحسب وثائق منسوبة لوزارة الدفاع الروسية نشرها مخترقون أوكرانيون.
في موازاة ذلك، تتطلع طهران إلى اقتناء المقاتلة الصينية "جي-10 سي" (J-10C) الملقبة بـ"التنين القوي"، لتعزيز قدراتها الجوية عبر صواريخ بعيدة المدى من طراز "بي إل-15" (PL-15). وتؤكد تقارير أن الصين أبدت استعدادها لتزويد "الدول الصديقة" بهذه الطائرات، رغم فشل مفاوضات سابقة عام 2015 بسبب الخلافات المالية.
كما بدأت إيران فعلياً تسلّم أنظمة دفاع جوي بعيدة المدى "إتش كيو-9" (HQ-9) الصينية، في مؤشر على تحول استراتيجي أوسع نحو بناء منظومة دفاع جوية متكاملة بعد سنوات من الاعتماد على الردع الصاروخي فقط.
تأتي هذه التحركات في ظل المخاوف الإيرانية المتزايدة من هيمنة إسرائيل الجوية، إذ تشير تقارير إلى أن تل أبيب تمكنت خلال الحرب الأخيرة من فرض سيطرة شبه كاملة على أجواء إيران الغربية وصولاً إلى العاصمة طهران، ما أدى إلى تدمير دفاعات جوية ومنشآت عسكرية حساسة، بينها مواقع نووية.
ويعتبر محللون أن هذه التطورات شكّلت "جرحاً عسكرياً ومعنوياً" لطهران، ودليلاً على ضعف استراتيجيتها القائمة على الردع الصاروخي وحده، بعد أن عجزت عن التصدي لهجمات جوية مكثفة. وتؤمن القيادة الإيرانية حالياً بأن امتلاك سلاح جوي حديث هو شرط أساسي لتثبيت موقعها كقوة إقليمية فاعلة.
من بين الطائرات الثلاث التي تراهن عليها طهران لتحديث أسطولها:
"ميغ-29": طائرة من الجيل الرابع ثنائية المحرك، دخلت الخدمة في الثمانينيات وتتميز بسرعة 2.25 ماخ وقدرات مناورة عالية، لكنها قديمة نسبياً مقارنة بالمقاتلات الغربية الحديثة.
"جي-10 سي" الصينية: مقاتلة متعددة المهام من الجيل الرابع المتقدم (4.5)، تتمتع برادار متطور ونظام تسليح بعيد المدى، وتعد النظير الشرقي لطائرات "إف-16" الأميركية.
"سو-35" الروسية: المقاتلة الأكثر تطوراً في الترسانة الروسية من الجيل الرابع المتقدم، قادرة على الطيران بسرعة 2.3 ماخ، وتضم أنظمة تضليل إلكتروني متقدمة تجعل رصدها صعباً في الأجواء.
وتعد "سو-35" رهان إيران الأبرز، رغم تردد موسكو في تسليمها تحت ضغوط أميركية وإسرائيلية، إذ تعتبرها طهران الورقة التي يمكن أن تغيّر موازين القوة الجوية في أي مواجهة قادمة مع إسرائيل.
لكن خبراء عسكريين يؤكدون أن اقتناء الطائرات وحده لا يكفي لتحقيق التفوق الجوي، إذ تحتاج إيران إلى بنية تحتية متكاملة تشمل شبكة رادارات وإنذار مبكر، وأنظمة قيادة وسيطرة واتصالات آمنة، إضافة إلى دعم لوجستي وصيانة وقطع غيار.
وفي هذا الإطار، حصلت إيران العام الماضي على طائرات تدريب وقتال خفيفة من طراز "ياك-130" (Yak-130) الروسية لتأهيل طياريها على تشغيل المقاتلات المتقدمة مثل "سو-35" و"سو-57".
مع استمرار الخلاف حول الملف النووي الإيراني وغياب أي اتفاق جديد مع الولايات المتحدة، تتزايد المخاوف من اندلاع جولة صراع جديدة بين إيران وإسرائيل، خصوصاً بعد تصريحات متبادلة تشير إلى استعداد الطرفين لخوض مواجهة محتملة.
وترى أوساط عسكرية أن جهود طهران لتحديث سلاحها الجوي تهدف بالدرجة الأولى إلى رفع كلفة أي هجوم إسرائيلي أو أميركي محتمل، وحرمان إسرائيل من ميزة التفوق المطلق في الأجواء، بعدما كشفت الحرب الأخيرة هشاشة الدفاعات الإيرانية أمام الضربات الجوية الحديثة.