تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية في الآونة الأخيرة منعطفاً جديداً نحو تسوية الملفات العالقة بين البلدين، إذ يرى خبراء أن باب الحوار قد فُتح مجدداً، خصوصاً بعد تصريحات وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف وعدد من أعضاء الحكومة الفرنسية الجديدة، وعلى رأسهم وزير الداخلية الجديد لوغو نونياز.
وقال عطاف، في حوار مع قناة الجزائر الدولية، إن "مصادقة البرلمان الفرنسي على مشروع القرار المتعلق بإلغاء اتفاقية الهجرة لعام 1968 الموقعة بين الجزائر وباريس، شأن داخلي، يخص الحكومة الفرنسية والجمعية الوطنية، ولا يعني الجزائر إلا إذا كان بين الحكومتين". وأضاف أن "إلغاء الاتفاقية التي عُدلت ثلاث مرات ومنحت امتيازات للجزائريين المقيمين في فرنسا، جرى في أجواء مشحونة ولا يمثل موقف الحكومة الفرنسية".
وتقاطع هذا التصريح مع ما قاله وزير الداخلية الفرنسي لوغو نونياز، الذي أعرب عن أسفه للظروف التي جرى فيها التصويت على القرار، خصوصاً من قبل اليمين المتطرف الذي اعتبره "انتصاراً تاريخياً". كما أكد الوزير الفرنسي، خلال لقاء إعلامي مخصص للعلاقات الجزائرية الفرنسية، عمق الأزمة التي مرت بها علاقات البلدين مؤخراً، منتقداً سياسة سلفه برونو روتايو، واصفاً إياها بأنها "سياسة ليّ الذراع والأسلوب الغليظ". ويرى مراقبون أن مقاربة الوزير الجديد تختلف عن سلفه، وقد تمهّد لانفراج قريب في العلاقات.
وبدأت مؤشرات الانفتاح مع إعلان وزير الداخلية الفرنسي الجديد عن زيارة مرتقبة إلى الجزائر نهاية الشهر الجاري بدعوة من نظيره الجزائري، حيث طرح نونياز ملف العلاقات مع الجزائر أكثر من مرة منذ توليه المنصب، مؤكداً أن "هناك ضغوطاً من اليمين المتطرف، لكن العلاقات الثنائية يجب أن تتسم بالجدية".
من جانبه، قال المحلل السياسي حكيم بوغرارة في حديث لـ"سبوتنيك" إن "العلاقات الجزائرية الفرنسية تضررت كثيراً في الفترة الأخيرة، وما يظهر حالياً بعد تهنئة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بمناسبة الذكرى الـ71 لاندلاع الثورة، هو وجود حديث عن زيارة وشيكة لوزير الداخلية الفرنسي إلى الجزائر". وأضاف: "قد تكون هذه الخطوة أولية، لكن الضرر الذي لحق بالعلاقات يتطلب استراتيجية وتفاهمات جديدة، خاصة أن الدبلوماسية الجزائرية مسالمة ولا تبدأ بالاستفزاز أو خرق الاتفاقيات الدولية".
وأوضح بوغرارة أن "الجزائر تؤكد دائماً أنه في حال حدوث أزمة مع أي دولة، فعلى تلك الدولة مراجعة الأسباب لمعالجتها، خصوصاً أن بعض الشخصيات في الحكومة الفرنسية السابقة كانت وراء تفاقم الأزمة بتصريحاتها المستفزة للجانب الجزائري".
واعتبر أن "أسباب الأزمة ما زالت قائمة، والجزائر تتعامل حالياً ببرودة مع الجانب الفرنسي، إذ نوّعت شراكاتها مع الشرق والغرب، والمصادقة على مشروع إلغاء اتفاقية الهجرة لم تُحدث أي أثر ملموس على الجزائريين، لأن الامتيازات تراجعت منذ فترة طويلة".
وختم بوغرارة بالقول إن "ملف التقارب وإعادة بناء العلاقات بين الجزائر وفرنسا سيكون طويلاً، لأن باريس تمادت كثيراً في مواقفها تجاه الجزائر، والمستقبل بين البلدين مرهون بإرادة سياسية حقيقية لوضع استراتيجية ثنائية تعالج الإشكالات العالقة".