فالقوات، التي لطالما قدّمت نفسها كقوة سيادية منفتحة على التنوع، عادت لتتعامل مع الآخرين من موقع الوصاية لا الشراكة، واضعة شروطًا سياسية تُعيد إلى الأذهان منطق "المرجعية الحزبية" بدل منطق التعاون الندّي.
هذا التحوّل لا يمكن عزله عن طبيعة الأداء الذي تعتمده القوات في مختلف المناطق. فالحزب الذي يسعى إلى توسيع حضوره خارج بيئته التقليدية، يبدو وكأنه يريد في الوقت نفسه فرض نموذج واحد من الولاء والانضباط السياسي على كل من يقترب منه، حتى ولو كان ذلك على حساب التنوع المحلي والمبادرات المستقلة.
في البقاع الأوسط، تحديدًا، يتبدّى هذا النهج بشكلٍ أوضح. فبدل أن تذهب القوات نحو صيغة شراكة تقوم على احترام الخصوصيات المناطقية والطائفية، تتعامل مع الحلفاء المحتملين بعقلية الإخضاع السياسي، وكأنّ أي تعاون لا يمكن أن يتمّ إلا "تحت سقفها" وبشروطها المسبقة. غير أنّ هذا السلوك يتناقض مع واقع المنطقة التي اعتاد أهلها أن يمنحوا أصواتهم وثقتهم للأشخاص لا للشعارات، وللبرامج لا للبيانات الحزبية.
من هنا، يمكن القول إنّ القوات اللبنانية تخاطر اليوم بخسارة مساحة التنوّع التي سعت طويلًا إلى اكتسابها، بعدما اختارت أن تحصر علاقاتها في إطار الولاء التنظيمي بدل الانفتاح على القوى المحلية المستقلة. فالتجربة أثبتت أن الناس في المناطق البقاعية، كما في سائر لبنان، يبحثون عن الشراكة الصادقة لا عن التبعية السياسية، وعن التحالفات المبنية على الاحترام المتبادل لا على الإملاءات.
في المحصلة، إن سلوك القوات اللبنانية في المرحلة الراهنة يعكس صراعًا داخليًا بين خطاب الانفتاح الذي تروّجه، والممارسة السياسية التي تنحو نحو الانغلاق والتحكم. وإذا استمر هذا التناقض، فإن الحزب قد يجد نفسه معزولًا في مناطق كان يسعى إلى أن يكون فيها جزءًا من النسيج الوطني، لا سلطة فوقه.