أبعد من ذلك، لا تزال مصادر أمنية لبنانية بارزة، رغم حركة الوفود الأمنية السورية، تحذّر من تسلّل جماعات مسلّحة من سوريا عبر الحدود الشرقية، ومن أخطار إسرائيلية محتملة من جهة البقاع، ربطاً بملف سلاح حزب الله. وتشير المصادر إلى أن قوات الجيش الاسرائيلي تعزز تمركزها على طول الحدود اللبنانية – السورية من الجهة الغربية لجنوب سوريا، بما يشمل الجزء اللبناني من جبل الشيخ، حيث تقوم بشكل مستمر بتوسيع احتلالها لمناطق قريبة من الحدود.
يكتمل المشهد بالتحذيرات الأميركية التي ارتفعت وتيرتها أخيراً، ونقلت جزءاً منها المستشارة الأميركية لدى بعثة واشنطن في الامم المتحدة مورغان أورتاغوس، ولاحقاً وفد وزارة الخزانة الأميركية الذي زار بيروت الأسبوع الماضي، حول استمرار تدفّق السلاح والمال إلى الحزب عبر سوريا؛ وهو واقع نفاه مباشرة رئيس مجلس النواب نبيه بري في أحد تصريحاته الإعلامية.
خروقات سورية شبه يومية
تؤكد مصادر أمنية لـ”ليبانون ديبايت” أن الحدود الشرقية تشهد شبه يومياً خروقات وإشكالات وعمليات إطلاق نار باتّجاه الجانب اللبناني وصولاً لمحاولة التضييق على الجنود اللبنانيين. ففي الأسابيع الماضية، تقدّم سوريون مسلّحون نحو 400 متر من جهة مشاريع القاع بحجّة ملاحقة مهرّبين. غير أن هذه الأحداث تفتقر إلى الاهتمام الإعلامي بسبب تبدّل أولويات بعض وسائل الإعلام المحلية، إلى جانب غياب اي رغبة لبنانية سياسية كانت أم أمنية في تسليط الضوء عليها، لسبب يعود الى التزام "آلية جدة للتنسيق" التي جرى التوصل إليها برعاية سعودية.
في سياق شرحها الأمني، تجزم المصادر الأمنية أن “لا مرجعية موحّدة لهؤلاء المسلّحين، وهم متعدّدو الانتماءات، وفي أحيان كثيرة يدّعون انتماءهم إلى الأمن العام السوري. وحتى عملية خطف شابين في 14 تشرين الأول الماضي عند المنطقة الحدودية الشمالية بين بلدتي حوش السيّد علي والقصر في قضاء الهرمل، جرت بذريعة مطاردة مهرّبين”.
أما المشكلة الأخطر الكامنة على الحدود الشرقية، فهي أن الفصائل السورية لا تملك سلطة على بعضها البعض، فيما تجد الأجهزة الأمنية اللبنانية نفسها مضطرة للتعامل مع مجموعات أقرب إلى ميليشيات بلا مرجعية واحدة، وبات يُطلق عليهم مصطلح “الأجانب”.
مثال على ذلك، أنه عند خطف الطفلين من داخل الحدود اللبنانية، تبيّن أن وزارة الدفاع السورية لم تكن على علم بما حدث، ما استدعى تواصلاً عسكرياً لاحقاً بين وزارتي الدفاع والداخلية في دمشق، ليقوم الأمن العام التابع لـ”الداخلية” بتسليم الولدين إلى مخابرات الجيش اللبناني.
لعنة المقاتلين الأجانب
تشير المعلومات إلى أن “ملف المقاتلين الأجانب في سوريا شكّل جزءاً من اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الشرع في نيويورك، وليس اللقاء الأخير في واشنطن”. وحتى الساعة، لا يمكن الحديث عن إحكام الشرع سيطرته على كامل الأراضي السورية، من الساحل إلى الجنوب، وصولاً إلى الشمال الشرقي حيث النفوذ الكردي، والشمال الغربي حيث النفوذ التركي، وكذلك الحدود الشرقية مع لبنان، وسط تقديرات غربية تفيد بأن الشرع لا يسيطر سوى على نحو 40% من الأراضي السورية.
وبحسب المعطيات، وبفعل حركة الوفود السورية إلى لبنان والتنسيق الأمني بين البلدين، ارتفعت وتيرة هذا التنسيق الذي يتم أساساً بين مخابرات الجيش والأمن العام اللبناني وجهات أمنية سورية. كما شكّل ملف الحدود السورية – اللبنانية محوراً أساسياً في محادثات مدير عام الأمن العام اللواء حسن شقير في الرياض خلال لقائه وفوداً عربية وأجنبية ذات طابع أمني.
وفي هذا السياق، يندرج اللقاء الأمني الذي دعت إليه المديرية العامة للأمن العام في 29 تشرين الأول الماضي، وشارك فيه وفد أمني سوري برئاسة معاون وزير الداخلية للشؤون الأمنية اللواء عبد القادر طحان، إلى جانب مسؤولين أمنيين لبنانيين، بينهم اللواء حسن شقير واللواء رائد عبدالله ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية العميد المتقاعد طوني منصور، لبحث مسائل تتعلق بضبط الحدود ومكافحة الإرهاب والمخدرات.
نوعان من الأخطار
تشكل حادثة توقيف “أبو دجانة التركستاني”، أحد أبرز المقاتلين الأجانب في سوريا، في سجن تابع لوزارة الداخلية السورية قبل أشهر، دليلاً إضافياً على هشاشة الوضع الأمني السوري، إذ اندلعت اشتباكات بين مقاتلين أوزبك وقوات الأمن العام السوري في ريف إدلب الغربي على خلفية توقيفه.
فعلياً، تتحدث المصادر الأمنية اللبنانية عن نوعين من الأخطار المحتملة على الحدود:
1. تنفيذ عمليات إرهابية من قبل عناصر غير منضبطة تتمركز على الحدود السورية،
2. الأخطار الإسرائيلية التي تتزايد احتمالاتها تدريجياً عبر عمليات توغّل أو إنزال، أو حتى تحويل البقاع إلى ساحة مواجهة، في ظل التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة للقضاء على المواقع العسكرية للحزب.
وتضيف المصادر أن الجانب الرسمي السوري أبلغ مسؤولين لبنانيين عن تفكيك سلطات دمشق عدداً من خلايا “داعش” وتوقيف المتورطين فيها، وأن “سوريا الشرع غير مهتمة بتسلّم أي موقوف داعشي من السجون اللبنانية حالياً”. كما تؤكد أنه “لا معلومات حتى الآن عن تسلّل عناصر داعشية إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية”.
وفي السياق نفسه، تشير المصادر إلى أن “القوات الإسرائيلية ناشطة بشكل كبير في منطقة جبل الشيخ، البعيدة نحو 14 كلم عن نقطة المصنع، فيما يحاول العدو باستمرار تجنيد بعض المواطنين الدروز من جهة دار العشائر ضمن القطاع السوري”. ومؤخراً، شقّ العدو طريقاً في جبل الشيخ، حيث أزال تمثالاً للصليب من الجهة اللبنانية ووضع مكانه نجمة داوود.