بعد عامٍ على "وقف إطلاق النار القتالي" مع حزب الله، تبدو الهدنة في طريقها إلى الانهيار السريع. وبرغم الآمال، يواصل الحزب الاستفزاز ومحاولات التعاظم، فيما تدرس إسرائيل سلسلة ردود وتستعدّ لما تصفه داخل المؤسسة الأمنية بـ"جولة لإضعاف حزب الله". ويأتي هذا العرض وفق مقال منشور في قناة N12 الإسرائيلية، بقلم الصحافيَّين إلعاد شمحيؤف ونير دفوري، بتاريخ 13 تشرين الثاني 2025، وقد خُصص لتفسير كيف وصلت الأمور إلى هذا المنعطف ولماذا.
في المشهد الميداني، سجّلت الأيام الأخيرة موجات من ضربات سلاح الجو الإسرائيلي أعقبتها إشعارات إخلاء لسكان قرى جنوب لبنان، مع تبادل التهديدات بين تل أبيب وحزب الله، وانعقاد الكابينيت لجلسة خاصة، وتحذير المبعوث الأميركي الخاص توم براك من ضيق الوقت وضرورة "التعامل مع حزب الله الآن"، وذلك قبل أقل من أسبوعين على مرور عامٍ "رسميًا" على وقف النار. ويستعيد التقرير مقتطفًا من كلمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 26 تشرين الثاني 2024 قال فيها إن حزب الله "اختار مهاجمتنا في 8 تشرين الأول"، مؤكدًا أن إسرائيل "ستهاجم" كل محاولة تسلّح أو إعادة بناء بنى قريبة من الحدود أو إطلاق صواريخ، وأنها تحتفظ بحرية عمل عسكرية كاملة بالتفاهم مع الولايات المتحدة.
وفق قراءة N12، تقترب إسرائيل من خيار "جولة إضعاف" جديدة إذا تعثّر الوصول إلى تفاهمات، بهدف ضرب محاولات ترميم قدرات الحزب ودفعه إلى اتفاق يتضمن، من زاوية إسرائيل، بندًا مفصليًا هو نزع السلاح الذي يهدد الجبهة الداخلية. وتعمل القدس بالتوازي عبر مسارين: عسكري مباشر، ودبلوماسي تشارك فيه واشنطن. ويرصد التقرير أن جنوب الليطاني يشهد رقابة إسرائيلية محكمة تستهدف أي نشاط، بينما تُسجَّل شمال النهر محاولات لإعادة بناء البنى والإنتاج، ولا سيما في محيط النبطية، مع رصد محاولات لاستئناف تهريب شحنات السلاح، وتأكيد إسرائيلي على أن الجيش اللبناني لا يفرض إنفاذًا كافيًا وأن تل أبيب لن تتسامح مع ذلك.
يشرح د. يهودا بلنغا، الخبير في حزب الله بجامعة بار-إيلان، ضمن ما نقلته N12، أن "دي إن إيه" الحزب هو المقاومة، وأنه برغم إضعافه لا يقبل التفكيك الكامل للسلاح لأنه يساوي إلغاء وجوده، وهو ما يجعله مستعدًا لإدارة حوار مع الدولة من دون المساس ببنيته. ويلفت التقرير إلى أن الحكومة اللبنانية فوّضت في 5 آب 2025 الجيش احتكار السلاح بيد الدولة وتسلّمت في 12 أيلول مراحل التنفيذ، مع الإشارة إلى عجز القدرة عن مواكبة الطموح: ستة جنود لبنانيين قُتلوا في آب خلال محاولة تفكيك مستودع للحزب، وتحذير أميركي حديث بأن الوقت ينفد وأن لبنان يتحول إلى "دولة فاشلة" لا تفعل سلطاتها ما يكفي.
يضيف تقرير N12 أن إسرائيل لا تزال ميدانيًا داخل جنوب لبنان في خمسة مواقع "مسيطرة" تمنحها صورة استخبارية دقيقة عن محاولات عودة عناصر الحزب بلباس مدني عبر أطر واجهة مثل "أخضر بلا حدود" وتقدّم وحدات الرضوان، ما يتيح لسلاح الجو تنفيذ ضربات عند تجاوز "خطوط التعاظم". ويرى شمحيؤف ودفوري أن التعقيد لا يتوقف عند الحدود: نجاح أي صيغة لا يتقرر في إسرائيل وحدها، بل يتأثر باستعداد واشنطن للضغط، وخشية بيروت من منزلق حرب أهلية، فضلًا عن التأثيرات السورية، ومنها زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى واشنطن وما يحمله ذلك من انعكاسات على تدفقات السلاح وإغلاق الحدود.
يلخص التقرير الأسئلة الماثلة أمام صانع القرار في تل أبيب: إلى أي حدّ تمدّ إسرائيل "الخط" بعمليات يومية لدفع الحزب إلى بدائل غير عسكرية أو لحثّ حكومة لبنان على فرض التفاهمات التي التزمت بها؟ وبرغم لهجة حزب الله التصادمية في رسالة مفتوحة بتاريخ 6 تشرين الثاني الرافضة للتفكيك، يلاحظ التقرير أن نبرة التهديد أقل حدة من سوابق سابقة، وأن الحزب منخرط في نقاش داخلي حول التحدث مع الحكومة من عدمه، فيما تحاول إسرائيل الحفاظ على توازن دقيق بين منع حرب لاحقة وعدم التسبب بحرب قريبة جدًا.