طفا على السطح نصف مليار دولار، لكنها — على الأرجح — ليست سوى قمة جبل جليدي لاقتصاد سياسي ظلّ لعقود يعيش على ريع القضية الفلسطينية، وفق ما تشير إليه شهادات وبحوث متراكمة حول شبكات جمع التبرعات.
فما جرى لم يكن كشفاً صادماً بقدر ما هو توثيق إضافي لما هو معروف منذ زمن. وكما يقول الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة ماهر فرغلي، فإن "المتاجرة بالقضية الفلسطينية كانت دائماً مشروع تمويل بغطاء المقاومة".
القضية بدأت بتقاطع شهادات ونزاعات داخلية، وتناقضات في كشوفات التحويلات، وحذف منشورات ترويجية، لتتكشف صورة تقول إن التبرعات التي جُمعت باسم غزة لم تصل إلى غزة. ثم جاءت المفاجأة حين أعيد تسليط الضوء على بيان قديم لحركة حماس يؤكد الاتهامات، ويشير إلى أن جمعية "وقف الأمة" وشبكات إخوانية في تركيا استولت على نحو نصف مليار دولار من تبرعات غزة.
هكذا انتقل الأمر من همسٍ دام عقوداً إلى حديث صريح عن "إمبراطورية تبرعات" تتحرك بين واجهات خيرية، ومنصات رقمية للحشد، وأذرع إعلامية، وخطابات دينية تعبويّة.
وفي حديثه لبرنامج "رادار" على قناة سكاي نيوز عربية، قال الباحث والكاتب السياسي زيد الأيوبي إنه غير متفاجئ بهذه المعلومات، مؤكداً: "تاريخيا، كل التبرعات التي تجمعها حماس وقياداتها في الوطن العربي والعالم يتم نهبها ولا تصل أبداً للشعب الفلسطيني."
وأضاف الأيوبي أن الحديث عن نصف مليار دولار "يقزّم القصة"، قائلاً: "هناك أموال أكثر بكثير نُهبت… والمطلوب محاسبة قيادات حماس وحجز كل حساباتها وشركاتها ومؤسساتها عربياً وإقليمياً ودولياً."
وأشار إلى أن الفضيحة خرجت إلى العلن بسبب "خلاف داخل حماس على توزيع الأموال"، ما دفع بعض الأطراف داخل الحركة إلى كشف التفاصيل.
ودعا الأيوبي المتبرعين إلى تحويل الأموال حصراً عبر القنوات الرسمية الفلسطينية أو الدولية مثل الأمم المتحدة لضمان وصولها إلى مستحقيها، قائلاً:
"لا يعقل أن يخرج شخص من أي مكان يجمع تبرعات باسم فلسطين، ثم تُنهب أو تُحوّل لحسابات تخص حماس."
وتوقف عند تصريحات سابقة لقيادات في الحركة، وعلى رأسهم خالد مشعل، الذي دعا مطلع الحرب إلى "طوفان مالي" لدعم حماس، قائلاً: "خالد مشعل قال إن التبرعات تتضاعف… أين هي هذه الأموال اليوم؟".
وختم الأيوبي بالقول: "انظروا إلى شعبنا في غزة… الخيام غارقة، الأطفال يموتون من الجوع، والمستشفيات بلا إمكانيات. أين ذهبت الأموال يا حماس؟"