"ليبانون ديبايت"
في ظل التحوّلات المتسارعة في الإقليم، ومع عودة الحرارة إلى العلاقات السعودية – الأميركية، يبرز مجددًا الدور الدبلوماسي الذي يمكن أن تلعبه المملكة في احتواء التوترات وتهدئة ساحات الصراع، ولا سيما على خط واشنطن – طهران. وفي هذا السياق، يقدّم الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان قراءة شاملة لحراك الرياض الأخير، مستندًا إلى مواقف السعودية من العدوان الإسرائيلي على إيران في حزيران الماضي، وإلى مسار المصالحة التي حصلت في آذار 2023، وما رافقها من تركيز دائم على تهدئة الأجواء وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة.
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان في حديث إلى "ليبانون ديبايت" أنّه كان للمملكة العربية السعودية موقف مُدين من العدوان الإسرائيلي على إيران في منتصف حزيران الماضي، بحيث تلقت بسببه شكرًا من إيران، وعبّرت الرياض من خلاله عن شكل من أشكال الاعتراض على ما جرى، انطلاقًا من مبدأ ثابت يقوم على رفض نقل الحروب إلى منطقة الخليج، وهو موقف سعودي عام ومستقر.
لكنّ شومان يلفت إلى تطوّر لافت ظهر في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تطرّق فيه ولي العهد إلى الموضوع الإيراني وقال إن بلاده تعمل على إتمام صفقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وكشف أنّ إيران مستعدة للانخراط في التفاوض عبر المسار السياسي.
وبناءً على هذا الموقف، يرى شومان أنّ السعودية قد تكون مقبلة على لعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران، خصوصًا أنها كانت، خلال الفترة الماضية، بعيدة نسبيًا عن بعض الأزمات في المنطقة. فلم يكن لها دور مباشر في الحرب على غزة أو في الوساطات المتعلقة بها، حيث تصدّرت مصر وقطر هذا الملف. كما ظهرت مبادرات مصرية تجاه لبنان، وكان الحضور التركي في غزة وسوريا واضحًا تمامًا. ومن هنا، يعتبر شومان أنّ تصريحات ولي العهد السعودي توحي بأنّ الرياض قد تؤدي دور الوسيط بين واشنطن وطهران، وكان ولي العهد السعودي قد قدّم نفسه للعب دور الوساطة بين البلدين.
ويتابع شومان قائلًا إنّ المصالحة التي حصلت في آذار 2023 بين السعودية وإيران، برعاية صينية، رسّخت قناعة لدى الطرفين بأنّ التطبيع الكامل للعلاقات يحتاج إلى وقت. إلا أن مسار العلاقة منذ ذلك التاريخ، كما يؤكد شومان، لا عودة فيه إلى الوراء، فالمصالحة تسير ببطء لكنها تتقدّم، ولا رغبة لدى أي من الجانبين في العودة إلى المرحلة السابقة.
وفي ما يتعلق بالجانب اللبناني وحصته من المفاوضات بين الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي، يعود شومان إلى ما تسرّب عبر وسائل الإعلام الأميركية، بأنّ الملف اللبناني كان حاضرًا في المحادثات خلال زيارة وليّ العهد السعودي إلى واشنطن، لكنه لا يعتقد أنه كان ملفًا أساسيًا، بل موضوعًا مطروحًا على الطاولة من دون أن يحتلّ صدارة الأولويات.
ويشرح أنّ زيارة وليّ العهد جاءت في إطار محاولة لتصويب العلاقات الأميركية – السعودية بعد فترة اضطراب امتدت منذ عام 2018. فخلال سبع سنوات لم يزر وليّ العهد الولايات المتحدة، نتيجة التوتر الذي طبع العلاقة بين الجانبين. وحتى خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، حافظت السعودية على موقف وسطي، لا يميل لا إلى موسكو ولا إلى كييف.
ويذكّر شومان بأنّ زيارة الرئيس جو بايدن إلى السعودية في تموز 2022، وطلبه من الرياض رفع إنتاج النفط، ورفض السعوديين ذلك، كانا تعبيرًا واضحًا عن حالة الاضطراب والقلق التي شابت العلاقات. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية، كان من المتوقع أن يقوم وليّ العهد بزيارة رسمية إلى الولايات المتحدة ولكن لم يحصل ذلك. وفي أيار الماضي، زار ترامب السعودية، وتمّت إعادة ترميم العلاقات والتأكيد عليها، والاتفاق على زيارة سيقوم بها الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن قريبًا، وهكذا كان.
ويشدّد شومان على أنّ الهدف الأساسي من هذه الزيارة هو إعادة تصويب العلاقة بين الطرفين، ومن الطبيعي برأيه أن يكون الطرفان استعرضا مختلف الملفات، ومن بينها الوضع اللبناني، لكنّ التركيز الأول كان على إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي كما كانت قبل الاضطراب الذي حصل عام 2018.
وعن مستقبل العلاقة بين الرياض وطهران، يلفت شومان إلى أنه عندما توصّل الطرفان، وبرعاية رسمية، إلى مصالحة بينهما في عام 2023، كانت لدى الجانبين قناعة بأنّ التطبيع الكامل والنهائي للعلاقات يحتاج إلى وقت. ويقول: "لو تابعنا مسار العلاقات منذ ذلك التاريخ، نلاحظ أنّ لا عودة إلى الوراء؛ أي إنّ الطرفين ماضيان في تثبيت المصالحة. والمصالحة بلا شك تتقدّم ببطء، وكذلك مسار التطبيع بينهما يسير ببطء، لكن أرى أنّ الجانبين لا يرغبان مطلقًا في العودة إلى حالة القطيعة التي سبقت اتفاق المصالحة".
ويظن أنه في حال لعبت السعودية فعلًا دور الوسيط في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، فإنّ ذلك سيعزّز العلاقة بين الرياض وطهران من جهة، ويمنح المصالحة زخمًا أكبر من جهة أخرى.
ويخلص إلى أنّه يمكن التأكيد أنّ الطرفين حريصان على الحفاظ على روحية المصالحة التي تأسّست في بكين عام 2023، ولا نية لديهما للعودة إلى الوراء، حتى لو كان مسار التطبيع يسير ببطء.