المحلية

محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت
الاثنين 01 كانون الأول 2025 - 07:00 ليبانون ديبايت
محمد المدني

محمد المدني

ليبانون ديبايت

لا صوت يعلو فوق صوت "البابا"

لا صوت يعلو فوق صوت "البابا"

ليبانون ديبايت - محمد المدني

بهذه العبارة التي اخترناها كعنوان للمقال، تختصر مشهدية الزيارة التاريخية لقداسة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، التي جاءت في ظروف هي من الأصعب والأقصى التي شهدها لبنان عبر تاريخه. حضوره لم يكن مجرد زيارة عادية، بل امتحانٌ حقيقيٌ للبنان، يحمل نفحة أمل ورجاء، وربما يبشر بسلام دائم بعد سنوات الحروب والدمار.


لم يكن متوقعًا أن ينتظر نواب ووزراء ومسؤولون، في قصر بعبدا، لأكثر من ساعتين وصول قداسة البابا. تلك الساعتان، رغم طولهما، لم تشهدا خلافات أو انكسارات سياسية معروفة عنهم عادة. بل كانت الأجواء مليئة بالأحاديث الجانبية الودية بين نواب ووزراء يختلفون عادة في كل شيء. ولكن مع حضور البابا، صمتت الخلافات وتوقفت الانكسارات، وكأن حضوره جمع الجميع على احترام مشترك، مؤكّدًا أن في مثل هذه اللحظات يمكن تجاوز الخلافات السياسية لصالح الوطن.


زيارة قداسة البابا هي رسالة وطنية عميقة في لحظة دقيقة إذ تؤكد أن حماية لبنان لن تتحقق إلا بدولة قوية تجمع كل مكوّناته على أساس شراكة متينة، كانت ولا تزال المسيحية جزءاً أساسياً منها، ليس كمجموعة تطلب الحماية، بل كشريك فاعل في بناء وصيانة هذه الدولة عبر مؤسساتها ودستورها.


في قصر بعبدا، اختار رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون نهجاً يختلف عن تنافس الزعامات المسيحية التقليدية، إذ رسخ مفهوم الرئاسة كرمز جامع يعزز من مكانة المسيحيين ضمن الدولة، بعيداً عن الاصطفافات الداخلية أو النزاعات الطائفية. خطاب الرئيس حمل في طيّاته رموزاً مسيحية واضحة، لكنه كان خطاباً وطنياً بامتياز، أكد فيه أن المسيحية في لبنان ليست ساحات صراع، بل ركيزة تأسيس وصمود وشراكة حقيقية، وأن الحل يكمن في تقوية الدولة التي تحمي الجميع، وليس في خلق قوى منافسة خارج إطارها.


زيارة البابا من قصر بعبدا عززت هذه الرؤية ومنحتها بعداً سيادياً جديداً، مؤكدة أن لبنان رغم أزماته المتراكمة لا يستطيع الصمود إلا من خلال وحدة أجنحته ضمن دولة متماسكة ومتوازنة. الرسالة كانت واضحة، وهي أن البيئة المسيحية شأنها شأن البيئة الوطنية، لا تُبنى بالانكفاء أو تعدد الزعامات المتنافرة، بل بالثبات داخل الدولة التي تمثل الحصن الحامي والقوة الداعمة.


ما يحتاجه لبنان اليوم ليس المزيد من التنافس داخل الطائفة المسيحية، بل تعزيز مسيحية الشراكة التي تحمي الدولة وتبني الوطن. وفي ظل التحديات المتزايدة، لا يمكن السماح بأن يمر لبنان بأزماته دون أن يكون دوره المسيحي حاضراً بقوة، ذلك الدور الذي كان دوماً عامل بناء وحماية، وليس رد فعل أو ساحة نزاع. فلبنان يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى هذا التكامل الوطني الذي يضمن استمراره وسلامته.


في النهاية، تبقى زيارة قداسة البابا إلى لبنان محطة بارزة تعيد تذكير الجميع بأن قوة هذا الوطن تكمن في وحدته وتضامنه، وأن مستقبل لبنان لا يُبنى إلا على شراكة حقيقية بين مكوّناته كافة، وعلى دولة تحمي حقوق الجميع وتضمن لهم العيش بكرامة وأمان. إنّ التحديات التي تواجه لبنان اليوم تتطلب منا أن نتجاوز خلافاتنا ونرتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية، لنحفظ لبنان من الانهيار ونمنحه فرصة جديدة للنهضة والازدهار. وفي هذا الطريق، يبقى الدور المسيحي حجر الزاوية في بناء وطن يستحقه أبناؤه بكل مكوّناتهم، حاملاً راية السلام والشراكة والعيش المشترك.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة