خرج لبنان كله بالأمس لاستقبال البابا لاوون الرابع عشر، الزائر الذي دفع كل العناوين إلى التراجع، وأنسى اللبنانيين للحظات، واقعهم وأزماتهم، فكان الإستقبال ومتابعة التحركات والوقائع لحظة بلحظة عبر الإعلام أو في الشارع، هو العنوان، وسيبقى في الساعات أل48 المقبلة.
فهل يفعلها الحبر الأعظم؟ وهل ينجح في تعليق كل التهديدات والتهويلات حيث فشلت السياسة والديبلوماسية حتى اليوم، فيُخرج لبنان من دائرة الحرب الموعود بها من قبل إسرائيل؟ وإذا كان الإنتظار هو القاعدة الوحيدة التي يعيش على إيقاعها لبنان واللبنانيون وهم ينتظرون الحلول، فإن المواعيد والتواقيت للساعة اللبنانية، وليس للإنتظارات والإستحقاقات الخارجية، لم تحن بعد، ولكن ربما تأتي مع ديبلوماسية الفاتيكان؟
فمع اجتماع كل الطوائف والتمايزات السياسية في قصر بعبدا لاستقبال البابا لاوون الرابع عشر، بات واضحاً أن ديبلوماسية الكرسي الرسولي، أو ديبلوماسية السلام، قد نجحت حيث فشلت السياسة والمبادرات، إذ توحّد النواب والوزراء والرؤساء جميعاً في استقبال الحبر الأعظم، فيما انتشر اللبنانيون على الطرقات في كل المناطق التي مرّ فيها موكب الحبر الأعظم، ليرسموا صورة لبنان الجديد. وبينما حرص الرسميون على التقاط الصور مع الزائر الروحي، إكتفى اللبنانيون على الطرقات برفع طلب وحيد هو السلام، إلى البابا لاوون الآتي في أول جولة خارج الفاتيكان، إلى البلد الصغير والمهدّد في الشرق الأوسط.
تحدّث البابا لاوون في اليوم الأول لوصوله إلى لبنان عن السلام، وكرّر رسالة أسلافه حول الحقيقة والمحبة والوحدة، مباركاً التنوّع اللبناني، فأكد أن لبنان ليس بلداً بل وطناً ورسالة، داعياً أبنائه للذهاب إلى السلام مهما كلّف الأمر، فكان تجسيداً للديبلوماسية الفاتيكانية بأرقى مراحلها، فيما كان الإنطباع والتساؤل في أوساط الوفود التي تجمّعت لرؤيته توجّه سؤالاً وحيداً وهو ما إذا كان البابا سيوقف الحرب وسمنع الأهوال الآتية على لبنان.
وعن ديبلوماسية الفاتيكان، فإن عميد المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، الذي يعرف البابا لاوون منذ كان كاردينالاً، يقول ل"ليبانون ديبايت"، أن لهذه الزيارة البابوية أبعاداً سياسية عميقة، كون لبنان ليس بلداً عادياً، ولذلك قال البابا للبنانيين "أنتم شعب لا يستسلم، إنما هو ينهض أمام الصعاب".
ومن هنا، يرى الوزير الخازن، أن البابا لاوون يأتي إلى لبنان، وهو يدرك تماماً حجم التحديات التي تواجه اللبنانيين بكل طوائفهم، وزيارته هذه محمّلة بالرسائل التي تمنحهم القوة لمواجهة هذه التحديات، لا سيّما وأنه يرى لبنان جزءاً مهماً من السلام في المنطقة".
وإذ يعوّل الخازن، على دور البابا الحالي في دعم لبنان، يؤكد أنه منذ كان على الدوام وحتى قبل وصوله إلى سدّة البابوية، كان مبادراً ومحبّاً للسلام ومتفهّماً لدقة المشهد اللبناني بكل تفاصيله.
ومما لا شك فيه، يضيف الخازن، أن الزيارة تحمل رسائل هامة إلى الداخل والخارج، كون الكرسي الرسولي ليس قوة سياسية، لكنه يملك تأثيراً على قادة العالم، ويعمل من أجل دعم فكرة الحوار الداخلي والتلاقي بين اللبنانيين بعيداً عن الصراعات والإنقسامات، ومن هنا، فإن وجوده في بيروت في هذا التوقيت الدقيق، يوجّه رسالةً واضحة إلى كافة الأطراف الداخلية كما الخارجية، وهي أن لبنان يحتاج إلى الوحدة وإلى التفاهم والتمسّك بالعيش الواحد، ورسائله الرمزية تحمل قوةً أكبر من أي بيان رسمي، وقادرة على دفع الضمائر نحو الصواب، لأنها تصدر من شخصية عالمية تتمتع بالإحترام والسمعة الدولية.