المحلية

ليبانون ديبايت
الثلاثاء 02 كانون الأول 2025 - 13:20 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

سلام البابا يختلف عن "السلام السياسي" المتداول… ولبنان أضاع فرصة ذهبية!

سلام البابا يختلف عن "السلام السياسي" المتداول… ولبنان أضاع فرصة ذهبية!

"ليبانون ديبايت"

حملت زيارة البابا إلى لبنان أبعادًا روحية ووطنية مهمّة، سواء من حيث المشاركة الواسعة التي جمعت مختلف الطوائف والمذاهب، أو من حيث الرسائل التي حملتها في لحظة لبنانية دقيقة، إلا أنّ الحدث، على أهمّيته، أثار نقاشًا واسعًا حول مدى عمقه وفاعليته، وحول ما إذا كان سيشكّل نقطة تحوّل أم مناسبة احتفالية عابرة.

وفي هذا السياق، يقدّم الكاتب والمحلّل السياسي سركيس أبو زيد قراءة نقدية شاملة للمشهد، في حديث إلى "ليبانون ديبايت".

ويرى أبو زيد أن زيارة البابا إلى لبنان شكّلت حدثًا مهمًا من حيث المشاركة الواسعة التي شملت مختلف الطوائف والمذاهب، وقد تميّزت بأجواء إيجابية وحفاوة لافتة، غير أنّ الطابع العام للزيارة بدا أقرب إلى الاحتفالية الفولكلورية منه إلى التعمّق في القضايا الأساسية.


ويقارن هذه الزيارة بالإرشاد الرسولي الذي أعلنه البابا يوحنا بولس الثاني عام من لبنان1997، فيلحظ فرقًا كبيرًا بينهما، فالإرشاد الرسولي كان أكثر شمولًا وعمقًا، بينما بدا الخطاب الذي قدّمه البابا في هذه الزيارة أقرب إلى خطاب رئيس دولة منه إلى موقف كنسي موجّه بروحية لاهوتية أو رعوية واضحة.


وعند مقارنة الإرشاد الرسولي السابق بما قيل اليوم، يرى أن الإرشاد الرسولي كان أعمق بكثير، وللأسف، لم تُراجع الإرشادات الرسولية اللاحقة بالشكل المطلوب، ولم يُبنَ عليها في السنوات التي تلت صدور الإرشاد الأول. فقد كان بالإمكان متابعة خطة تنفيذية واضحة من الفاتيكان، مستندًا إلى مؤسساته وإمكاناته، من أجل تطبيق ما ورد في الإرشاد على أرض الواقع.


ولكن أبو زيد لا يحمل في الوقت نفسه البابا أو الفاتيكان وحدهما المسؤولية، فجزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق لبنان، رسميًا وشعبيًا.


ويستند في هذا الإطار إلى مثال صارخ، فقد صدر في إحدى السنوات قرار من الأمم المتحدة يعتبر لبنان مركزًا لحوار الحضارات، لكن السؤال الجوهري يبقى، ماذا فعل لبنان بهذا التكليف؟ وكيف يمكن لبلد أن يدّعي أنه مركز رائد في مجال حوار الحضارات وهو لم يقم بأي خطوة عملية على هذا الطريق؟


وهنا تظهر الإشكالية ذاتها في مسألة حوار الأديان، وفق أبو زيد، فلبنان، رسميًا وشعبيًا، يحب أن يقدّم نفسه كبلد الرسالة، وبلد التنوع والانفتاح، ولكن عند التمعّن في المبادرات القائمة، يتّضح أن معظم الأطر التي كان يُفترض أن تُفعَّل لتحريك حوار الأديان أصبحت شبه معطّلة، أو محصورة بشكليات لا تُنتج فعلًا حقيقيًا.


ويسأل عن سبب تغييب لقاء يجمع البابا مع عدد من المفكّرين ضمن البرنامج، لتسليط الضوء على كافة القضايا التي يحتاج لبنان إلى مناقشتها على منابر عالمية، كما يأخذ على النخب عدم المبادرة إلى تقديم مادة للمناقشة مع البابا.


ويتناول اللقاء الروحي الذي جمع البابا مع رؤساء الطوائف الذين استعانوا بآيات من القرآن أو مقتبسات من الإنجيل التي لا يعملون وفقها، حيث لاحظ أن رجال الدين جمعهم المكان نفسه، ولكن لم يجمعهم التوجّه نفسه.


ويستغرب تغييب عنصر بارز من الزيارة، مثل تسليط الضوء على أن أرض لبنان شهدت أولى معجزات السيد المسيح في قانا، كما أن السيدة العذراء زارت مغدوشة حيث أُقيم لها مزار هناك، وبدل الاستفادة من هذه العناصر التي يمكن البناء عليها، يتجاهل السياسيون هذه المواقع كجزء من هوية لبنان الروحية والتاريخية، وحتى هذه البقاع التي تحمل رمزية دينية عالية لا تُعامل كما ينبغي، وكأنها خارج دائرة الاهتمام.


أما عن المهمة الأساسية للزيارة، بمعنى أنها جاءت لدعم فكرة السلام، فيعتبر أن المشكلة الأساسية أنّ لفظ "السلام" الذي يستعمله المسيحيون عمومًا، وخصوصًا البابا والكنيسة والجهات الرسمية الكنسية، يُفهم غالبًا بمعناه الروحي: سلام النفوس، سلام القلب، سلام الإيمان، والتسامح والمحبة والغفران، أي البعد الروحي الداخلي الذي يشدّد عليه الخطاب المسيحي دائمًا.


ويقول: "في المقابل، هناك من يستخدم كلمة ’السلام‘ بمعنى سياسي مختلف تمامًا، أي السلام بمعناه المتعلّق بالعلاقة مع إسرائيل، وهذا خلط خطير، لأن السلام الروحي شيء، والسلام السياسي شيء آخر".


ويتوقّف أبو زيد عند خطاب رئيس الجمهورية في هذه المناسبة، فهو لم يأتِ على ذكر الاحتلال الإسرائيلي، مع أنّ زيارة البابا، الذي يمتلك علاقات واسعة مع معظم دول العالم، كانت مناسبة طبيعية لطرح هذه المسألة، كان بالإمكان الاستفادة من حضوره للتأكيد على القرارات الدولية الداعمة للبنان، ودعوته إلى الضغط على المجتمع الدولي كي يساعد لبنان على تحقيق الاستقرار والأمن والسيادة، لكن شيئًا من ذلك لم يحصل، حتى إنه ينتقد الاجتماعات الدينية واللقاءات الرسمية التي انعقدت خلال الزيارة، إذ لم يجرِ التطرّق إلى هذه المسألة بالشكل المطلوب، والجهة الوحيدة التي أشارت إلى ضرورة طلب الدعم الدولي للبنان اقتصرت على دعم اقتصادي أو إنساني، لا على دعم سياسي أو سيادي.


ويأسف لأن لبنان أضاع هذه الفرصة الثمينة للقول للبابا، بوصفه مرجعية عالمية له علاقات مع مختلف الدول وموقع مؤثّر، إنّ لبنان يحتاج إلى دعم في مجلس الأمن، وإلى قرارات وضغوط دولية تساهم في حماية سيادته، وتعزيز قدرته على بسط سلطته، وإرساء الاستقرار، وربما التقدّم نحو تسويات كبرى.


والمفارقة، برأيه، أنّ أحدًا من الجانب الرسمي في لبنان لم يطلب من الفاتيكان لعب دور فاعل في هذا المجال، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر، مع أن هذا الدور كان ممكنًا ومطلوبًا.


أما عن إحتمال أن يقوم الإسرائيلي بالتصعيد فيتخوف أبو زيد أن تنتهي الزيارة بدون أن يستفيد لبنان من زخم يمنع التصعيد لذلك يرجح أن يعاود الاسرائيلي حربه ولكن قد يكون بالتقسيط أو دفعة واحدة فلا أحد يعلم.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة