في توقيتٍ بالغ الحساسية سياسيًا وانتخابيًا، يكشف استطلاع جديد لدائرة بعبدا تحوّلات لا يمكن التعامل معها كأرقام عابرة. فالنتائج، التي تأتي قبل أقل من عام على الاستحقاق النيابي، تشير إلى انقلابٍ صامت في المزاج المسيحي، وتحديدًا داخل البيئة التي شكّلت تاريخيًا القاعدة الصلبة للتيار الوطني الحر. هذا التحوّل، الذي يتقاطع مع تراجع الثقة بالأحزاب التقليدية وارتفاع نسبة اللامنتمين سياسيًا، يعيد رسم الخريطة الداخلية في واحدة من أهم الدوائر المختلطة، ويضع القوى الأساسية أمام واقع جديد: القوات تتقدّم، التيار يتراجع، وآلان عون يخرج من عباءة التيار ليصبح لاعبًا مستقلًا قادرًا على جذب المقترعين من خارج الاصطفافات التقليدية.
الاستطلاع لا يكتفي برصد التراجع والاختراق، بل يكشف أيضًا ثباتًا لافتًا لدى الثنائي الشيعي، وتماسكًا نسبيًا لدى الحزب التقدمي الاشتراكي، مقابل تشتّت متزايد في أصوات المجتمع المسيحي. ومع هذا المشهد، تصبح بعبدا ـ بما تحمله من رمزية سياسية وطائفية ـ مسرحًا لمواجهة انتخابية مختلفة تمامًا عن تلك التي عرفتها في 2022، بما يفتح الباب على احتمالات جديدة في النتائج والتحالفات، ويمنح هذا التقرير أهميته الاستثنائية.
ويُظهر استطلاع انتخابي جديد أعدّه الخبير كمال فغالي حول دائرة بعبدا – أُجري في شهر تشرين الثاني 2025 – أنّ القوات اللبنانية حققت تقدّمًا يقارب 8 نقاط، فيما سجّل التيار الوطني الحر تراجعًا يقارب الخمسين بالمئة، وهو ما يعكس ـ بحسب الدراسة ـ الشرخ الداخلي الذي يضرب قاعدة التيار، ويتعمّق مع اقتراب الاستحقاق النيابي. كما يبيّن الاستطلاع أنّ 52.5% من الناخبين لم يذكروا أي اسم للصوت التفضيلي، في مؤشر لافت إلى حجم فقدان الثقة الشعبية في القوى الحزبية داخل الدائرة.
وتتجه الأنظار نحو آلان عون الذي برز كقوة سياسية مستقلّة نسبيًا بعد خروجه من التيار الوطني الحر. الأرقام تشير إلى أنّ 51% من الذين اختاروه تفضيليًا لم يحددوا أي انتماء سياسي، ما يدفع نحو اعتباره “تيارًا مستقلًا” لدى شريحة واسعة من الرأي العام، فيما يرى 33.3% من مؤيّديه أنّه يشكّل امتدادًا أو صيغة جديدة داخل التيار الوطني الحر. وتُظهر نتائج الاستطلاع أنّ 78.4% من الأصوات التي نالها جاءت من الناخبين المسيحيين حصراً، ما يعكس حجم تحوّل المزاج السياسي داخل الشريحة المسيحية في بعبدا.
في المقابل، يحافظ الثنائي الشيعي على كتلته الصلبة دون أي تراجع، مع استحواذه على 81% من أصوات الناخبين الشيعة في الدائرة، محتلاً المرتبة الأولى بنسبة 12.1%. أما الحزب التقدمي الاشتراكي، فوثّق الاستطلاع ثبات وضعه الانتخابي بالمقارنة مع انتخابات 2022، مع ارتفاع ملحوظ في نسبة المتحفّظين داخل الشريحة الدرزية.
أما في الصوت التفضيلي، فقد تصدّر النائب بيار بو عاصي القائمة بنسبة 8.8%، تلاه النائب هادي أبو الحسن بنسبة 5.4%، ثم آلان عون بنسبة 5%، فالنائب علي عمار بنسبة 4.1%. وتوزّعت باقي الأصوات على مرشحي القوى التقليدية وقوى التغيير بنسب متفرقة.
وفي تقييم أداء الشخصيات السياسية، حلّ رئيس الجمهورية جوزيف عون في المرتبة الأولى بعلامة 5.6 من 10، متقدّمًا على جميع القيادات الأخرى، إذ نال سعد الحريري 4.5، يليهما الرئيس نبيه بري (3.9) ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط (3.8).
وعلى مستوى الأسئلة السيادية، أظهر الاستطلاع أنّ 67.6% من المستجوبين يفضّلون الدولة الموحدة، في مقابل 13.2% فقط يؤيدون الفيدرالية، وهي نسبة ترتفع بشكل واضح داخل الشريحة المسيحية. وفي ملف التطبيع، رفض 56% من المستفتين إقامة علاقات مع إسرائيل، مقابل 17.7% أيّدوا، مع تسجيل أعلى نسب التأييد لدى الموارنة.
أما في الخريطة الانتخابية المتوقعة لعام 2026، فيشير تحليل فغالي إلى أنّ التحالف الأقوى هو تحالف القوات – الاشتراكي الذي يحقق 2.5 حاصل، يليه تحالف الثنائي – آلان عون بنسبة 2.2 حاصل، فيما يبقى أي تحالف بين التيار الوطني الحر والمجتمع المدني والكتائب بحدود حاصل واحد فقط، نتيجة التراجع المسيحي داخل التيار والانقسام العمودي في قاعدته التنظيمية والشعبية.
ويخلص التقرير إلى أنّ السيناريو الأقرب هو تكرار مشهد انتخابات 2022، مع إعادة توزيع المقاعد بالتساوي بين لائحتين أساسيتين، إلا أن الفارق الجوهري يتمثل بصعود آلان عون كرقم جديد ناجم عن اهتزاز بنية التيار الوطني الحر وتحوله إلى مركز استقطاب لشريحة مسيحية واسعة خرجت من الاصطفافات التقليدية، ما يعيد رسم الخريطة الانتخابية في بعبدا بطريقة مختلفة تمامًا عن السابق.
جدول – التيار السياسي الأقرب إلى توجهات المستفتين (من أصل 1022):
القوات اللبنانية: 121 صوت (%11.8)
حزب الله: 79 صوت (%7.7)
الحزب الاشتراكي: 67 صوت (%6.6)
التيار الوطني الحر: 60 صوت (%5.9)
حركة أمل: 25 صوت (%2.4)
الكتائب اللبنانية: 15 صوت (%1.5)
غيره: 14 صوت (%1.4)
قوى المجتمع المدني: 13 صوت (%1.3)
تيار المستقبل: 8 أصوات (%0.8)
الحزب القومي الاجتماعي: 6 أصوات (%0.6)
لا أحد: 465 صوتًا (%45.5)
لا جواب: 149 صوتًا (%14.6)
جدول – توزيع الأصوات التفضيلية للقوى السياسية (من أصل 1022):
الثنائي الشيعي: 124 صوت (%12.1)
القوات اللبنانية: 122 صوت (%11.9)
الحزب الاشتراكي: 77 صوت (%7.5)
آلان عون: 51 صوت (%5.0)
التيار الوطني الحر: 45 صوت (%4.4)
المجتمع المدني: 39 صوت (%3.8)
الكتائب: 14 صوت (%1.4)
كميل شمعون: 6 صوت (%0.6)
تيار المستقبل: 5 صوت (%0.5)
طلال أرسلان: 2 صوت (%0.2)
لا أحد: 422 صوت (%41.3)
لا جواب: 83 صوت (%8.1)
لا قرار بعد: 32 صوت (%3.1)
جدول – ترتيب الشخصيات بالصوت التفضيلي:
بيار بو عاصي: %8.8
هادي أبو الحسن: %5.4
آلان عون: %5.0
علي عمار: %4.1
مرشح الثنائي الشيعي: %2.2
مرشح التيار الوطني الحر: %1.7
مرشح القوات: %1.2
جدول – تقييم الشخصيات السياسية:
الرئيس جوزيف عون: 5.6 من 10
سعد الحريري: 4.5 من 10
نبيه بري: 3.9 من 10
وليد جنبلاط: 3.8 من 10
نواف سلام: 3.7 من 10
سامي الجميّل: 3.3 من 10
سمير جعجع: 3.2 من 10
نعيم قاسم: 2.7 من 10
جبران باسيل: 2.3 من 10
جدول – الموقف من التطبيع:
أرفض التطبيع: %56.0
أؤيد التطبيع: %17.7
لا جواب: %15.3
لا موقف: %11.1
جدول – الحواصل المتوقعة:
القوات + الاشتراكي: 2.5 حاصل
الثنائي + آلان عون: 2.2 حاصل
التيار + المجتمع المدني + الكتائب: حاصل واحد (نظري)