سلّطت صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على حياة مهرب الأسلحة الأميركي يوجين هاسنفوس، الذي ارتبط اسمه بفضيحة "إيران كونترا" بعد سقوط طائرته في مهمة سرية لتزويد المتمردين بالسلاح في نيكاراغوا خلال ثمانينيات القرن الماضي.
وأكدت الصحيفة أنّ هاسنفوس توفي يوم الأربعاء 26 تشرين الثاني الماضي في منزله بمدينة مينوميني في ولاية ميشيغان عن عمر ناهز 84 عامًا، بعد معاناة استمرت تسع سنوات مع مرض السرطان، بحسب تأكيد أفراد أسرته.
في العام 1986، أصبح هاسنفوس محور اهتمام عالمي حين أُسقطت طائرته المحمّلة بالأسلحة في نيكاراغوا أثناء مهمة سرية برعاية وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ما مهّد الطريق لكشف واحدة من أكبر الفضائح السياسية في تاريخ الولايات المتحدة. وكان هاسنفوس الناجي الوحيد من طاقم الطائرة، واعتُقل من قبل الحكومة اليسارية في نيكاراغوا التي اتهمته بالعمل لصالح الـCIA.
وفي مقابلة مع شبكة "سي بي إس" أثناء احتجازه، قال هاسنفوس إنه كان يعلم تمامًا أنه يعمل لصالح الاستخبارات الأميركية. وبينما أنكرت إدارة الرئيس رونالد ريغان في البداية أي علاقة بالعملية، سرعان ما تراجع الموقف الرسمي بعد ظهور معلومات تربط الطائرة بشركة كانت مملوكة سابقًا للوكالة.
وقاد اعتقاله إلى سلسلة تحقيقات في الكونغرس أظهرت لاحقًا أنّ إدارة ريغان باعت أسلحة لإيران بشكل غير قانوني، واستخدمت جزءًا من العائدات لدعم متمردي الكونترا سرًا، في التفاف واضح على قرارات الكونغرس.
وفي مؤتمر صحافي في ماناغوا قبل محاكمته، أكد هاسنفوس أن مهمات الإمداد كانت تحت إشراف عناصر من الـCIA في السلفادور. وأُدين بالسجن 30 عامًا قبل أن يُطلق سراحه في كانون الأول/ديسمبر 1986 في خطوة وُصفت بأنها “بادرة حسن نية” تجاه واشنطن.
وُلد يوجين هاينز هاسنفوس في 22 كانون الثاني 1941 في ويسكونسن. وبعد تخرجه من الثانوية، التحق بسلاح مشاة البحرية عام 1960 وتدرّب على العمل اللوجستي الجوي، قبل أن يلتحق خلال حرب فيتنام بشركة "إير أمريكا" التابعة للاستخبارات المركزية، حيث شارك في دعم قوات لاوية ضد الفيتناميين الشماليين.
وبعد الحرب، عمل في مجال القفز بالمظلات ثم في البناء، قبل أن يتم تجنيده مجددًا عام 1986 ضمن شبكة تهريب الأسلحة إلى الكونترا بقيادة الطيار ويليام كوبر الذي قُتل في حادث إسقاط الطائرة.
واجه هاسنفوس صعوبات كبيرة في حياته بعد محاكمته، إذ احترق منزله، واضطر للعمل بشكل متقطع، كما غرق في الديون إثر دعوى قضائية خسرها ضد شركة الطيران. وتدهورت حياته الشخصية وانتهى زواجه بالطلاق.
وفي فيلم وثائقي عام 1991 بعنوان “قصة يوجين هاسنفوس”، أعرب عن فخره بخدمته العسكرية ودوره في دعم الكونترا، لكنه عبّر عن شعور عميق بالخيانة من الحكومة الأميركية التي أنكرت تورطها عند سقوطه في الأسر.
تعود جذور القضية إلى بدايات الثمانينيات، حين عقدت إدارة ريغان صفقات تسلح سرية مع إيران، رغم الحظر المفروض، مقابل إطلاق رهائن أميركيين محتجزين في لبنان. وتم تحويل جزء من الأموال لتمويل عمليات سرية لدعم الكونترا ضد حكومة نيكاراغوا اليسارية، رغم الحظر الذي فرضه الكونغرس عام 1984 على هذا الدعم.
ووجّهت اتهامات جنائية إلى 14 مسؤولًا في الإدارة الأميركية وشبكة الداعمين الخاصين للكونترا، بينهم مستشارا الأمن القومي روبرت ماكفرلين وجون بويندكستر، إضافة إلى أوليفر نورث. بينما كان توماس كلاينز — ضابط سابق في الـCIA — الوحيد الذي دخل السجن لمدة 16 شهرًا بتهمة تتعلق بالضرائب.
وفي كانون الأول 1992، أصدر الرئيس جورج بوش الأب، الذي كان نائبًا لريغان خلال وقوع الفضيحة، قرارات عفو بحق ستة متهمين بعد خسارته الانتخابات.
وفي تقرير نهائي عام 1994، خلص المستشار المستقل لورانس والش إلى عدم وجود أدلة على ارتكاب ريغان أو بوش مخالفات جنائية مباشرة، لكنه أكد أن بوش كان “على علم تام” بتفاصيل صفقات السلاح مع إيران.