أصدرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استراتيجية جديدة للأمن القومي، قدّمت رؤية مختلفة لطريقة تعاطي واشنطن مع قضايا الشرق الأوسط، وذلك في وثيقة من 33 صفحة تُعد مرجعاً رسمياً للسياسة الخارجية خلال المرحلة المقبلة.
تشير الاستراتيجية إلى أن الشرق الأوسط كان لأكثر من نصف قرن في صدارة أولويات الولايات المتحدة، باعتباره مصدر الطاقة الأول عالميًا وساحة مواجهة رئيسية خلال الحرب الباردة، ومسرحًا لصراعات مؤثرة دوليًا. لكن الوثيقة تؤكد أن هذه العوامل تغيّرت اليوم مع تنويع مصادر الطاقة عالميًا وتحول الولايات المتحدة إلى مصدّر صافٍ للطاقة، إضافة إلى انتقال التنافس الدولي من صراع القطبين إلى منافسة القوى الكبرى، وهي منافسة ترى الإدارة أنها تمسك فيها بـ"أفضل موقع ممكن" بعد استعادة تحالفاتها في الخليج ومع شركائها العرب وإسرائيل.
وتعتبر الاستراتيجية أن التهديدات في المنطقة تراجعت مقارنة بالسنوات السابقة، رغم استمرار الصراعات. وتلفت إلى أن إيران، التي تصفها بـ"أكبر مصادر زعزعة الاستقرار"، أصبحت أضعف بعد العمليات الإسرائيلية عقب 7 تشرين الأول 2023، وعملية "مطرقة منتصف الليل" الأميركية في حزيران 2025 التي وجهت ضربة واسعة لبرنامجها النووي.
كما تشير إلى تقدم واضح في مسار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بفضل اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق الرهائن بوساطة أميركية، مع تراجع المساندة لحركة حماس.
وفي الشأن السوري، ترى الاستراتيجية أن دمشق ما تزال "مصدراً محتملاً للمشكلات"، لكنها قابلة للاستقرار واستعادة دور طبيعي في المنطقة بدعم أميركي وعربي وإسرائيلي وتركي.
تؤكد الوثيقة أن الأسباب التاريخية التي منحت الشرق الأوسط أولوية في السياسة الأميركية باتت تتراجع، مقابل صعود فرص اقتصادية تجعل المنطقة مركزاً مستقبلياً للاستثمار في مجالات الطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي، والصناعات الدفاعية.
وتشدد على التعاون مع دول المنطقة لتأمين سلاسل الإمداد وتعزيز الأسواق المفتوحة، خصوصاً في إفريقيا.
كما تتبنى الولايات المتحدة مقاربة مختلفة تجاه الإصلاح في المنطقة، وجاء في الوثيقة: "يجب أن نشجع الإصلاح عندما يأتي بشكل طبيعي من الداخل، لا أن نحاول فرضه من الخارج".
وتحدد الاستراتيجية المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة بحماية أمن الطاقة ومنع وقوعه بيد الخصوم، وتأمين الملاحة في مضيق هرمز والبحر الأحمر، ومنع المنطقة من تهديد مصالح أو أراضي الولايات المتحدة، وضمان أمن إسرائيل،
وتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية عالميًا.
وتخلص الوثيقة إلى أن الشرق الأوسط لم يعد مصدرًا دائمًا للأزمات، بل بات مساحة لشراكات وصداقة واستثمارات ينبغي تعزيزها.
وفي تقييم لهذه المقاربة الجديدة، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة موراي ستيت وعضو الحزب الجمهوري إحسان الخطيب لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الاستراتيجية "واقعية وتعكس طبيعة العلاقة التي تريدها إدارة ترامب مع الشرق الأوسط".
وأوضح أن الولايات المتحدة لم تعد تتعامل مع المنطقة بمنطق النفط وحده، بل وفق شراكات اقتصادية أوسع. وأشار إلى أن الوثيقة تتضمّن اعترافًا صريحًا بأخطاء ارتكبتها إدارات سابقة، مثل تجاهل خصوصيات المنطقة والتدخل في شؤون دولها كما حدث خلال عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
ويرى الخطيب أن المنطقة أصبحت أكثر استقراراً بعد إضعاف إيران وحلفائها، وأن "السلام الإبراهيمي" يمثّل المسار الأكثر قابلية للاستمرار. كما يؤكد أن واشنطن لا تعتبر الصين وروسيا منافسين مباشرين داخل الشرق الأوسط، بل جزءًا من توازنات يمكن إدارتها.
ويختم الخطيب بالقول إن ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة بات يرتكز على المصالح الاقتصادية والأمنية، وعلى رأسها ضمان أمن إسرائيل وحماية خطوط الطاقة والملاحة الدولية ومنع أي تهديد قد يستهدف المصالح الأميركية.