وبناءً على إشارة مباشرة من المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي غسان باسيل، جرى توقيف الأم ز.ع. قيد التحقيق، بعد ثبوت معطيات جدّية بأن ما حصل لا يمكن عزله عن أفعال لاحقة مقصودة هدفت إلى طمس الحقيقة وإخفاء الجثة، في وقت كان يفترض فيه طلب النجدة والإبلاغ الفوري عن الوفاة.
القضية انطلقت فجر 14 تشرين الثاني 2025، مع العثور على جثة الشاب س.د. م. ممدّدة على جانب طريق عام في محلة حريصا. الكشف الطبي الأوّلي أظهر آثار خنق واضحة حول العنق، ما استدعى توسيع التحقيق بإشراف القضاء. لاحقاً، أكدت تقريران صادران عن طبيبين شرعيين وجود إصابات رضّية، وآثار ضغط وعراك، وانخلاع في الرقبة، وأن سبب الوفاة المباشر هو الخنق المؤدي إلى توقف التنفس والقلب، مع مؤشرات استعمال قوة.
بنتيجة التحقيقات، تبيّن أن الوفاة حصلت داخل شقة الوالدة في عمشيت قبل ساعات من العثور على الجثة. ووفق إفادات ز.ع. نفسها، فإنها عثرت على ابنها معلّقاً داخل غرفته بواسطة منشفة وأسلاك مطاطية، فقامت بفكه ومحاولة إنعاشه، ثم أيقنت أنه فارق الحياة. إلا أن ما تلا ذلك شكّل محور الذهول القانوني في القضية.
فبدلاً من الاتصال بالإسعاف أو القوى الأمنية، غادرت الأم المنزل، تجولت لساعات، وتواصلت مع أشخاص عدة، ثم عادت عند ساعات الفجر، لتبدأ بسيناريو مغاير للحقيقة. استعانت بجارها ع.ج.، ودخلت الشقة متظاهرة بأنها تجهل ما حصل، قبل أن تطلب المساعدة من عدد من الجيران لنقل ابنها على اعتبار أنه يعاني من “نوبة صحية”. وخلال هذه المرحلة، رفضت بشكل قاطع استدعاء الصليب الأحمر، أو مرافقة أي شخص لها إلى المستشفى، تحت ذريعة “عدم إثارة فضيحة”.
الإفادات المتطابقة لكل من ع.ج.، ج.ش.، ع.ب.، وأ.ك.، أظهرت أنّ جميع من ساعدوا في نقل الشاب كانوا يجهلون وفاته، وأنهم انصاعوا لرواية الأم لاعتقادهم أن الأمر طارئ صحي. وقد أجمعوا على أن سلوك الأم وهدوءها لم يكونا منسجمين مع حالة إسعاف عاجلة، ولا مع مشهد شاب فاقد للوعي.
بعد ذلك، قادت ز.ع. الجثة بسيارتها، متنقلة بين طرقات ومناطق عدّة، وفق ما أقرت به لاحقاً. وفي إفادة صادمة، اعترفت بأنها حاولت رمي الجثة إلى أسفل أحد الأودية في منطقة درعون – حريصا بهدف إخفائها نهائياً، إلا أنها فشلت في ذلك بسبب ثقل الجسد، ما أدى إلى ارتطامه بالأرض عدة مرات. عندها، وتحت خوفها من مرور مركبات أو انكشاف أمرها، تركت الجثة على جانب الطريق وفرّت.
هذا التسلسل أكّدته مراجعة دقيقة لتسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة في محيط المبنى، والتي وثّقت دخول وخروج الضحية، مغادرة الأم وعودتها، ثم مشهد نقل الجثة فجراً بمساعدة جارين. كما ثبّتت توقيت إخراج الجثة، بما يتعارض مع روايات لاحقة أدلت بها الأم.
وخلال التحقيق، تبيّن أن ز.ع. كانت تستخدم هوية مزوّرة باسم ر.م.، وقد أقرت لاحقاً بذلك، معترفة بأنها تخلّصت من بطاقة الهوية المزوّرة داخل الحمام قبل تفتيشها، عبر رميها في المرحاض، في محاولة لإخفاء معالم إضافية لهويتها الحقيقية.
كما استُمع إلى إفادة المعاون و.س.، الذي أقرّ بوجود علاقة طويلة مع الأم، وأكد أنه كان على تواصل معها ليلة الحادثة، وشاهد الضحية عبر مكالمة فيديو لثوانٍ معدودة، وطلب منها بشكل متكرر الاتصال بالإسعاف ونقل ابنها إلى المستشفى، إلا أنها رفضت بحجة الخوف من الفضيحة. وأفاد أنه علم لاحقاً بأنها رمت الجثة، ما دفعه إلى إبلاغ شعبة المعلومات بعد تمكنه من تحديد مكان تواجدها.
أما ج.خ.، فقد أفاد بأنه رافق الأم مساء 13 تشرين الثاني بعدما كانت في حالة هيستيرية تدعي فيها اختفاء ابنها، وأوصلها إلى الفندق في حالات، من دون علمه بأي تفصيل عن ما جرى داخل المنزل.
وبناءً على مجموع هذه المعطيات، من إفادات متقاطعة، وداتا تقنية، وتقارير طبية، وثبوت محاولة إخفاء الجثة، قرر القاضي غسان باسيل توقيف الأم قيد التحقيق، وترك كل من ل.و. وس.و. بسندي إقامة لعدم ثبوت علمهما بالوقائع الحقيقية.
قانونياً، لا تقف القضية عند واقعة الوفاة بحد ذاتها، بل تمتد إلى ما تلاها من أفعال: الامتناع عن التبليغ، نقل الجثة، تضليل الجيران، محاولة رمي الضحية في الوادي، والتخلّص من مستندات هوية، وهي عناصر تضع الملف في إطاره الجرمي الكامل، وتفتح باب التوصيف القانوني الأشدّ خطورة.
أما الذهول الحقيقي في هذا الملف، فليس فقط في مشهد جثة شاب على قارعة الطريق، بل في سلسلة قرارات اتخذت بعد الوفاة، قرارات اختارت الهروب بدل النجدة، والإخفاء بدل المواجهة، والصمت بدل القانون.