"ليبانون ديبايت"
أصدرت قاضي التحقيق في جبل لبنان جويل عيسى الخوري قرارًا ظنّيًا اعتبرت فيه أنّ المدعى عليه داني جوزف عساكر أقدم على قتل زوجته شيرين بطرس عساكر عمدًا داخل منزلهما في جبيل عام 2016، بعد خلافات زوجية حادة تفاقمت على خلفية أزمة مالية خانقة عاشتها العائلة.
وبموجب القرار، اعتُبر فعل المدعى عليه من نوع جناية المادة 547 فقرة 2 من قانون العقوبات (القتل قصداً مع تشديد)، إضافة إلى ظنّه بجنحة المادة 72 من قانون الأسلحة والذخائر، مع الإشارة إلى استمرار توقيفه وجاهيًا منذ 1 تموز 2025، وإحالته للمحاكمة أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان.
وتعود القضية إلى 27 آذار 2016، حين نُقلت شيرين عساكر (مواليد 1985) إلى مستشفى سيدة المعونات في جبيل مصابة بطلق ناري في الرأس، وفارقت الحياة بعد وقت وجيز. وبوشرت التحقيقات من مخفر جبيل بعد تبليغ المستشفى عن الحادثة، ليتبيّن أن زوجها داني عساكر هو من نقلها.
في البداية، أشار التقرير الأول للطبيب الشرعي نعمة ملاح إلى أن إصابة الرأس تتطابق مع فرضية الانتحار، قبل أن يصدر تقرير ثانٍ للطبيب الشرعي الياس الخوري في حزيران 2016 اعتبر فيه أن القول بالانتحار "في غير محلّه"، لعدم توافر عناصره الأساسية، ما فتح الباب مجددًا أمام فرضية القتل العمد.
كما خلص تقرير الخبيرة في الأدلة الجنائية جنان الخطيب إلى أنّ ما تبيّنه من مسرح الجريمة والأدلة المادية ينسف احتمال الانتحار ويرجّح أن الحادثة هي "جريمة قتل عمدًا".
استعرض القرار الظنّي الخلفية الزوجية والمعيشية، فبيّن أن المدعى عليه كان يمرّ بأزمة مالية حادة بعد خسارته مبالغ كبيرة نتيجة ديون مرتبطة بالميسر، ما اضطره إلى بيع منزل العائلة وسياراتهم، وأن هذه الأوضاع انعكست توترًا وخلافات متكررة مع زوجته المعلمة شيرين.
وفي يوم الحادث، الذي صادف عيد الفصح، كان من المفترض أن تتناول العائلة الغداء لدى أهل شيرين، لكن خلافًا وقع بين الزوجين حول بدلات الإيجار واستقدام عاملة منزلية، فعادوا إلى المنزل في جبيل، حيث حصلت الجريمة داخل غرفة النوم.
وسجّل القرار سلسلة من التناقضات في إفادات المدعى عليه، منها: إنكاره أولًا وجود أي خلاف يوم الحادث، قبل أن يعترف لاحقًا بحصوله. تضارب أقواله حول ما إذا كانت زوجته تعرف استعمال السلاح أم لا، تناقضه بشأن مكان هاتف زوجته، وما إذا كانت قد حاولت الانتحار سابقًا، تغيّر روايته حول وضعية سقوط زوجته بعد إطلاق النار.
كما أشار القرار إلى أن الجيران وأفراد العائلة أكدوا أن الشجارات بين الزوجين كانت شبه دائمة، خلافًا لما أصرّ عليه المدعى عليه.
وأخذ القرار بوزن خاص شهادة الابنة غاييل (كانت في الـ 7 من عمرها آنذاك)، التي أفادت بأن والدَيها كانا يتشاجران في يوم الحادث، وأن والدتها كانت تبدّل حفاض شقيقها الرضيع ألكس في غرفة النوم قبل أن تطلب منها مغادرة الغرفة ثم تسمع بعدها ضجيجًا وترى والدها يحمل والدتها وهي تنزف.
الابن مارك بدوره أكد وجود «مشاكل دائمة» بين الوالدين وأن أجواء التوتّر كانت حاضرة يوم الحادث.
كما سرد القرار إفادة الجار جورج أبي عوّاد، الذي وصل إلى الطابق الثالث بعد سماع صراخ وضجيج، فرأى دماء عند المدخل والطفلين في حال هيستيرية، والطفل الرضيع شبه عارٍ، ما عزّز فرضية أن الأم كانت تعتني به لحظة وقوع إطلاق النار.
واعتمد قاضي التحقيق على تقارير الأدلة الجنائية ومكتب الحوادث في بعبدا ومكتب المختبرات الجنائية، والتي خلصت إلى جملة معطيات أبرزها: طريقة تمركز الرصاصة وارتفاعها في الخزانة مقابل سرير غرفة النوم لا تتوافق مع رواية أنّ شيرين كانت واقفة في ممر ضيق وتطلق النار على نفسها، بل ترجّح أنها كانت جالسة على السرير، وجود دماء بكثافة على السرير وحوله، مقابل آثار محدودة على الخزانة، ما يدعم هذه الفرضية، عدم ثبوت وجود آثار بارود داخلية على يد الضحية بما يتلاءم مع كونها مطلِقة للنار، مقابل وجود آثار مرتبطة بقربها من السلاح لحظة إطلاقه، الاشتباه بقيام أحدهم بمسح بصمات من على قبضة المسدس، بعد أن أثبت تقرير المختبر عدم ظهور بصمات واضحة وكمية الدماء ومكانها على قميص المدعى عليه اعتُبرت غير منسجمة مع رواية أنه حملها فقط بعد سقوطها.
كما أشار القرار إلى أن المسدس من نوع "براونينغ" يُعتبر سلاحًا ثقيلًا نسبيًا ويحتاج إلى قوة لتلقيمه، وأنه لم يثبت أن شيرين كانت تجيد استعمال السلاح الحربي أو تتعاطى معه.
خلص القرار الظنّي إلى أن الوقائع مجتمعة – من إفادات الشهود والأولاد، والتقارير الطبية والجنائية، والتناقضات في رواية الزوج وسوابقه في الضرب والإيذاء – تجعل فرضية الانتحار غير قائمة، وتثبّت قيام المدعى عليه بإطلاق النار عمدًا على زوجته داخل غرفة نومهما.
ورأى القاضي أن ما توافر من أدلة كافٍ لإحالة داني جوزف عساكر أمام محكمة الجنايات في جبل لبنان بجرم القتل القصدي وفق المادة 547 فقرة 2 عقوبات، والظن به أيضًا بموجب المادة 72 أسلحة وذخائر، مع اتباع الجنحة بالجناية لعلة التلازم وتضمينه النفقات.
وختم القرار بالتأكيد على أن "ما بدا في البداية حادثة انتحار ليس سوى جريمة قتل مقصودة"، وأن تكشّف الحقائق مع مرور الوقت أظهر أن الحقيقة "لا يمكن حجبها إلى الأبد".