كشفت مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية، في تحقيق مطوّل أعدّه الصحافي شين هاريس، تفاصيل غير مسبوقة عن العميل الإيراني محمد حسين تاجيك، وهو ضابط رفيع في جهاز المخابرات والأمن الإيراني (MOIS)، كان يعيش حياة مزدوجة كمخبر لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، قبل أن يُقتل على يد والده في واحدة من أكثر القضايا غموضًا داخل أجهزة الأمن الإيرانية.
وبحسب التحقيق، فإن تاجيك — الذي شغل منصب قائد وحدة هجومية سيبرانية نخبوية داخل الوزارة — تواصل مع الصحافي شين هاريس عام 2016، كاشفًا له جوانب من حياته السرية، ومسار انقلابه على النظام الإيراني الذي كان والده من أبرز مؤسسيه بعد ثورة 1979.
وتقول "ذي أتلانتيك" إن تاجيك، بحكم منصبه، صعد سريعًا في أجهزة الاستخبارات، وسافر مرارًا إلى لبنان حيث طوّر علاقات وثيقة مع قيادات بارزة في حزب الله، أبرزهم عماد مغنية، قائد الجناح العسكري للحزب والمسؤول عن سلسلة عمليات ضد أهداف أميركية وإسرائيلية.
ويؤكد تاجيك في روايته أنه سلّم CIA معلومات حساسة عن الهيكلية الداخلية لحزب الله، وعن طريقة التنسيق العملياتي بينه وبين المخابرات الإيرانية. وتشير المجلة إلى أنّ وكالة الاستخبارات الأميركية — بالتعاون مع إسرائيل — نفّذت عملية اغتيال مغنية في شباط 2008، وهي السنة نفسها التي يقول تاجيك إنه بدأ خلالها العمل لمصلحة واشنطن.
وتوضح المجلة أنّ خلفية تاجيك العائلية كانت راسخة داخل بنية النظام؛ فوالده، المعروف باسم "حاجي ولي"، كان أحد الذين اقتحموا مقر الشرطة السرية للشاه وأسهم في تأسيس أجهزة الأمن في الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، انقلب الابن على النظام واصفًا إياه بـ"الفاسد والمنافق"، قبل أن يقطع CIA علاقته به عام 2013 باعتباره "صعب الإدارة". إثر ذلك، اعتقلته السلطات الإيرانية وعذّبته في سجن إيفين سيّئ الصيت، قبل أن يتم إطلاقه بكفالة بتدخل من والده.
وينقل التحقيق أن تاجيك كان يخطط للفرار إلى تركيا في تموز 2016 مصطحبًا حقيبة مليئة بوثائق سرية، بهدف كشف "أسرار النظام". إلا أنّ شقيقه الأصغر أمير لاحظ حقيبة السفر وروى الأمر لوالده دون قصد. وفي الخامس من تموز، اليوم الذي كان فيه من المقرر أن يتواصل مجددًا مع الصحافي شين هاريس، وصل الأب إلى منزل ابنه برفقة مسؤول كبير في وزارة الاستخبارات.
وفي مساء اليوم نفسه، عُثر على جثة تاجيك بلا تشريح طبي، ودُفن على عجل في مقبرة بطهران. ويشير التحقيق إلى أنّ المعارض الإيراني الراحل روح الله زم — الذي كان على اتصال بتاجيك قبل أن يُعدم لاحقًا — قد سرّب معلومات تفيد بأن الأب قتل ابنه بنفسه، أو أمر بقتله، بدافع "الولاء العقائدي" للنظام، في حادثة وصفها زم بأنها "جريمة أيديولوجية" هدفها حماية بنية الاستخبارات من فضيحة كبرى.
التحقيق الصادم، الذي نشرته مجلة "ذي أتلانتيك" وكتبه الصحافي شين هاريس، يعيد إضاءة واحدة من أعقد عمليات الاختراق داخل أجهزة الأمن الإيرانية، ويكشف حجم التهديد الداخلي الذي أرّق طهران وأدّى إلى واحدة من أكثر عمليات التصفيات غموضًا في تاريخها الحديث.