في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، حيث تتقاطع حسابات التسليح مع توازنات التحالفات الدولية، تكشف تقارير إسرائيلية عن معركة خفية يقودها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعيدًا عن الأضواء، عنوانها الحفاظ على ما تصفه تل أبيب بـ“التفوّق العسكري النوعي”، من دون الانزلاق إلى صدام مباشر مع البيت الأبيض أو مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في هذا السياق، كشف المعلّق السياسي البارز في صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، بن كسبيت، في تقرير نشره موقع “المونيتور”، عن تحرّكات هادئة يقودها نتنياهو خلف الكواليس، في محاولة لعرقلة أو تقييد صفقات تسليح أميركية متقدمة محتملة لكل من السعودية وتركيا، من دون خوض مواجهة علنية مع الإدارة الأميركية الحالية.
وبحسب التقرير، فإن نتنياهو، الذي لم يتردّد في مراحل سابقة في الاشتباك السياسي العلني مع إدارات أميركية لمنع صفقات سلاح اعتبرها مضرّة بأمن إسرائيل، يتعامل هذه المرّة بحذر بالغ مع الرئيس ترامب. وينقل كسبيت عن مصادر دبلوماسية إسرائيلية قولها إن نتنياهو يرى في أي مواجهة مباشرة مع ترامب مخاطرة تفوق في خطورتها الصفقة نفسها، في ظل أسلوب الرئيس الأميركي المتقلّب وحساسيته العالية تجاه الضغوط العلنية.
ويشير التقرير إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية اتخذ قرارًا استراتيجيًا واضحًا: تجنّب المواجهة الإعلامية والسياسية المفتوحة، مقابل تفعيل قنوات ضغط خلفية، تهدف إلى حماية “التفوّق العسكري النوعي” لإسرائيل في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار، عقد نتنياهو في 1 كانون الأول اجتماعًا سريًا في مكتبه في القدس مع فرانك سانت جون، المدير التنفيذي للعمليات في شركة “لوكهيد مارتن”، حيث تمحور النقاش حول السبل الممكنة لضمان استمرار التفوّق العسكري الإسرائيلي في حال مضت واشنطن قدمًا في تسليح دول أخرى في المنطقة بتقنيات متقدمة.
ووصف مطّلعون على الاجتماع، وفق كسبيت، اللقاء بأنه كان “طويلًا ومحبِطًا” بالنسبة للجانب الإسرائيلي، في ظل محدودية أدوات التأثير المتاحة أمام تل أبيب، خصوصًا في ظل الدعم السياسي الذي يحظى به ترامب داخل إدارته وحزبه.
ويعيد التقرير التذكير بأن الولايات المتحدة كانت قد استبعدت تركيا من برنامج التسليح المتقدّم خلال الولاية الأولى لترامب، عقب شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية S-400، إلا أن التقارب المتجدد بين ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يثير قلقًا بالغًا في إسرائيل من احتمال إعادة فتح هذا الملف. وتتعزّز هذه المخاوف، بحسب التقرير، على خلفية تصريحات أردوغان العلنية التي لوّح فيها باستخدام القوة ضد إسرائيل، ما يجعل أي تعزيز نوعي للقدرات العسكرية التركية مصدر تهديد مباشر من وجهة نظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
وفي موازاة ذلك، يشير كسبيت إلى أن ترامب منح إشارات إيجابية أولية لبحث صفقات تسليحية مع السعودية، حيث زارت وفود رفيعة من شركة “لوكهيد مارتن” الرياض في الأسابيع الأخيرة، في مؤشر إلى تقدّم المحادثات. ورغم أن إسرائيل تنظر بقلق إلى هذا المسار أيضًا، إلا أن التقرير يؤكد أن السيناريو التركي يبقى، في نظر تل أبيب، الأخطر والأكثر إلحاحًا.
وقبيل اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب في 29 كانون الأول في منتجع مار-آ-لاغو، يُتوقّع أن يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية نقل هواجسه مباشرة إلى الرئيس الأميركي، بعيدًا عن أي تصعيد إعلامي. كما تفيد المعلومات بأن نتنياهو فعّل شبكة ضغوط هادئة عبر شخصيات مقرّبة من ترامب، من بينها جاريد كوشنر، ستيف ويتكوف، السفير الأميركي المعيّن لدى الأمم المتحدة مايك وولتز، إضافة إلى متبرعين جمهوريين نافذين.
ويخلص التقرير إلى أن جوهر القلق الإسرائيلي لا يرتبط فقط بالصفقات بحد ذاتها، بل بالخصائص التكنولوجية المتقدمة للأسلحة المطروحة، ولا سيما القدرات الشبحية وأنظمة التحكم المستقلة، التي قد تتيح لأي طرف معادٍ الاقتراب من الأجواء الإسرائيلية من دون إنذار مبكر كافٍ، وهو سيناريو تعتبره المؤسسة العسكرية الإسرائيلية “خطًا أحمر”.
وفي ظل هذه المعادلة المعقّدة، يجد نتنياهو نفسه أمام تحدٍّ مزدوج: الدفاع عن المصالح الأمنية الإسرائيلية العليا، من جهة، والحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع الرئيس الأميركي الحالي، من جهة أخرى، في مرحلة تتشابك فيها ملفات غزة وسوريا ولبنان وإيران مع سباق النفوذ والتسلّح في المنطقة.