في ظل تعقيدات المشهد السوري بعد التغييرات السياسية الأخيرة، عاد التوتر بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" ليطفو على السطح مجددًا، في مؤشر يعكس هشاشة التفاهمات القائمة وصعوبة الانتقال من مرحلة الصراع العسكري إلى تثبيت سلطة الدولة وبسط سيادتها على كامل الجغرافيا، ولا سيما في المناطق ذات الخصوصية الكردية.
وفي هذا الإطار، ارتفعت حصيلة ضحايا الاشتباكات التي اندلعت بين قوات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية في عدد من أحياء مدينة حلب يوم أمس إلى 4 قتلى و9 جرحى، نتيجة قصف نفذته "قسد"، بحسب ما أفادت مديرية الصحة في المدينة.
وبحسب المعطيات الرسمية، ذكرت وكالة سانا أن عدة أحياء في حلب تعرّضت لقذائف هاون وراجمات صواريخ ورشاشات ثقيلة، ما أدى إلى سقوط قتيلين من المدنيين وإصابة 15 آخرين، فيما عملت قوى الأمن الداخلي على إخلاء السكان وتأمين سلامتهم عقب هذه الاعتداءات.
وفي سياق متصل، وصف وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري رائد الصالح ما شهدته حلب بـ"اليوم الثقيل والمرّ على المدينة وأهلها"، معتبرًا أن القصف الذي طال أحياء الجميلية والشيخ طه وما رافقه من إطلاق نار واندلاع حرائق في مناطق سكنية يعكس استخفافًا واضحًا بحياة المدنيين وأمنهم.
ولفت في هذا السياق، عبر منشور على منصة "إكس"، إلى أن فرق الدفاع المدني، ورغم المخاطر العالية، استجابت ميدانيًا، لكنها تعرّضت أثناء أداء مهامها الإنسانية لاستهداف مباشر ثلاث مرات، ما أدى إلى إصابة اثنين من كوادر الوزارة.
في المقابل، اتهمت الحكومة السورية "قسد" بشن هجمات على أحياء مدنية، فيما نفت الأخيرة هذه الاتهامات، وقال مجلس سوريا الديمقراطية إن قوات محسوبة على الحكومة السورية قصفت أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بأسلحة ثقيلة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين.
وتزامن ذلك، مع إعلان وسائل إعلام عن مساعٍ لاحتواء التصعيد، إذ أفادت العربية مساء أمس الاثنين بالتوصل إلى تهدئة بين الجيش السوري و"قسد" بعد اشتباكات اندلعت على أطراف حيي الشيخ مقصود والأشرفية.
وعلى هذا الأساس، أصدرت قيادة أركان الجيش السوري أمرًا بإيقاف استهداف مصادر نيران "قسد" بعد تحييد عدد منها، فيما أعلنت القوات الكردية وقف الرد على ما سمّته "هجمات فصائل حكومة دمشق"، تلبيةً لاتصالات التهدئة الجارية.
كما أكدت وزارة الدفاع السورية، أن الجيش لم يسعَ إلى تغيير خطوط السيطرة، بل اكتفى بالرد على مصادر النيران، في وقت تحدثت تقارير رسمية عن نزوح عشرات العائلات من محيط أحياء الليرمون والشيخ مقصود، وإغلاق طرق حيوية نتيجة القصف المتبادل.
وفي موازاة التطورات الميدانية، كان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد أعلن أن الحكومة لم تلمس مبادرة جدية من "قسد" لتنفيذ اتفاق العاشر من آذار القاضي بدمجها في مؤسسات الدولة، محذرًا من أن أي تأخير في هذا المسار سيؤثر سلبًا على استقرار المنطقة الشرقية.
ومن جهته، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على أن "قسد" لا تبدو مستعدة للاندماج ضمن هياكل الدولة السورية، معتبرًا أنها تشكّل عقبة أمام وحدة سوريا.
وفي ضوء هذه المعطيات، تبقى المواجهة بين الجيش السوري و"قسد" مفتوحة على أكثر من احتمال، بين مسار سياسي يسعى إلى دمج المناطق الكردية ضمن الدولة السورية، وخيارات أخرى قد تعيد إنتاج التوتر الميداني، في ظل تشابك الحسابات الداخلية والإقليمية، واستمرار الجدل حول مستقبل هذه المناطق بين الوحدة مع الدولة المركزية أو الذهاب نحو مسارات منفصلة.