كشف تحقيق موسّع لصحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل نمط الحياة المترف الذي تعيشه عائلة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد خارج سوريا، مسلطًا الضوء على التناقض الحاد بين رفاهية المنفى وثقل الاتهامات المرتبطة بسنوات الحكم.
وبحسب التحقيق، بدأت ملامح هذا المنفى منذ اللحظات الأولى لوصول العائلة إلى موسكو، حيث تم الانتقال بطائرات خاصة ومواكب سيارات، وفق ما أفاد به قريب للأسرة وصديقان لها وضابطان سابقان في الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد. وتحت حراسة مشددة من الأجهزة الأمنية الروسية، أقامت العائلة في البداية داخل شقق فاخرة تديرها سلسلة "فور سيزنز"، بكلفة تصل إلى نحو 13 ألف دولار أسبوعيًا.
لاحقًا، انتقل بشار الأسد إلى بنتهاوس من طابقين في برج "فيديريشن"، قبل أن يُنقل إلى فيلا تقع في ضاحية روبليوفكا المعزولة غرب موسكو، وهي منطقة تُعد من أبرز ملاذات النخبة الروسية وتضم مجمع تسوق يُعرف باسم "قرية الرفاه".
وأكدت مصادر الصحيفة أن الأجهزة الأمنية الروسية لا تزال تؤمّن حماية العائلة وتشرف على تحركاتها، مع توجيه تعليمات صارمة بعدم الإدلاء بأي تصريحات علنية.
وقال شخصان مقرّبان من العائلة إنهما شاهدا ماهر الأسد أكثر من مرة في ناطحات سحاب فاخرة داخل الحي التجاري في موسكو، وهو يتخفّى بقبعة بيسبول. ووفق صديق للعائلة، يقيم ماهر في مجمع "كابيتال تاورز" في المنطقة نفسها، وقد ظهر في شهر يونيو في مقطع فيديو داخل مقهى "ماياتا بلاتينوم" الشهير للأراكيل في مجمع "أفيمول".
وتشير تحركات بنات الأسد إلى احتفاظ العائلة بثروة كبيرة ونمط حياة مترف. ففي نوفمبر، دعا بشار الأسد أصدقاءه وعددًا من المسؤولين الروس إلى فيلا في ضواحي موسكو لإقامة حفل فاخر بمناسبة عيد ميلاد ابنته زين، بحسب قريب وضابط سابق في النظام وصديق للعائلة حضر أبناؤهم أو أصدقاؤهم المقربون المناسبة.
وفي السياق نفسه، احتفلت شام الأسد، ابنة ماهر الأسد وابنة عم زين، بعيد ميلادها الثاني والعشرين عبر احتفال ضخم امتد على ليلتين في منتصف سبتمبر، الأولى في مطعم "باغاتيل" الفرنسي الفاخر في دبي، والثانية على متن يخت خاص.
وتستخدم الشابتان حسابات خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي بأسماء لا يسهل ربطها بهويتهما الحقيقية، إلا أن الصحيفة تمكنت من التحقق منها من خلال معلومات قدمها أقارب وأصدقاء للعائلة، إضافة إلى مراجعة صور ومقاطع فيديو منشورة على حسابات مقرّبين منهما.
وأظهرت منشورات بالونات ذهبية تحمل الرقم 22 محاطة بهدايا من علامات تجارية فاخرة مثل هيرميس وشانيل وديور، إلى جانب مشاهد احتفال في مطعم "باغاتيل" مع ألعاب نارية، ولقطات تُظهر شام الأسد وهي تهز زجاجة "كريستال" وسط حشد يهتف. كما جرى ربط صورة أخرى بحساب يُعتقد أنه يعود لزين الأسد من دون ظهورها المباشر فيها.
وفي اليوم التالي، استُكملت الاحتفالات على متن يخت يحمل اسم "Stealth Yacht"، مزوّد بإضاءة خاصة ومنسق موسيقى وأجهزة دخان وعدة حانات وجاكوزي. ونشر حساب متخصص بتأجير اليخوت في دبي صورًا من الحفل، مشيرًا إلى أن كلفة استئجار اليخت تبلغ عدة آلاف من الدولارات لبضع ساعات، تضاف إليها مبالغ أخرى لتغطية أجور منسقي الحفل.
وتعيش الشابتان في دولة الإمارات وتشاركان في الحياة الاجتماعية هناك. وبحسب صديقين للعائلة وضابطين سابقين ما زالوا على تواصل مع ماهر الأسد أو محيطه، توصل كبار أفراد العائلة إلى ترتيب خاص مع مسؤولين إماراتيين يسمح لأبنائهم بالإقامة في البلاد، من دون أن يصدر أي رد رسمي إماراتي على استفسارات الصحيفة.
وبعد أسابيع قليلة من سقوط النظام، عادت زين الأسد إلى دراستها في فرع جامعة السوربون في أبو ظبي، وفق ما أفاد به أصدقاء للعائلة وزميلة دراسة قالت إنها كانت تدخل الحرم الجامعي وسط حراسة شخصية كثيفة. إلا أن عودتها أثارت امتعاض بعض الطلاب السوريين، إذ كتب أحدهم في مجموعة دردشة أنها "غير مرحّب بها"، قبل أن يتم إغلاق المجموعة بالكامل.
ولم يُشاهد الطالب لاحقًا داخل الحرم الجامعي، وقال قريب له إن السلطات الإماراتية استدعته للتحقيق، وغادر الجامعة جزئيًا على خلفية هذه الواقعة. في المقابل، أوضحت الجامعة أن فصل الطالب كان "مسألة أكاديمية بحتة" بسبب ثلاث مخالفات، من بينها الغش، مؤكدة أن الخلاف في مجموعة الدردشة لا علاقة له بالقرار.
وأضافت زميلة الدراسة أن زين الأسد لم تواظب على حضور الدروس خلال جزء من فصلها الأخير، لكنها تسلمت في يونيو شهادة من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، حيث كانت مسجّلة أيضًا، وأظهرت صور التخرج شقيقيها ووالدتها إلى جانبها.