سجّلت إسرائيل تراجعًا غير مسبوق في صورتها الدولية، بعدما حلّت في المرتبة الأخيرة للعام الثاني على التوالي في مؤشر العلامات الوطنية العالمي (Nation Brands Index – NBI) لعام 2025، وفق تقرير صادر عن مبادرة BrandIL، في ما وُصف بـ“الانحدار التاريخي” الأخطر منذ إطلاق المؤشر قبل نحو عقدين.
وأظهرت نتائج المؤشر تراجعًا حادًا بنحو 6% في المعدّل العام لتقييم إسرائيل، وهي النسبة الأكبر التي يسجلها أي بلد منذ تأسيس المؤشر. ويكشف التقرير عن فجوة صارخة بين المعطيات الموضوعية لإسرائيل، مثل متوسط العمر المتوقع، ومستويات التعليم، والناتج المحلي للفرد، والتي تضعها نظريًا ضمن الدول العشر الأولى عالميًا، وبين صورتها الذهنية الفعلية، التي جاءت في ذيل التصنيف الدولي.
ووفق خلاصات التقرير، لم تعد الانتقادات الدولية موجهة فقط إلى سياسات الحكومة الإسرائيلية أو إلى الجيش الإسرائيلي، بل توسّعت لتطال المجتمع الإسرائيلي نفسه. إذ بات المواطن الإسرائيلي، في نظر شرائح واسعة من الرأي العام العالمي، ولا سيما لدى جيل الشباب في الدول الغربية، يُنظر إليه كطرف مسؤول عمّا يجري في قطاع غزة، فيما تُصنَّف إسرائيل على أنها “دولة كولونيالية وغير شرعية”.
ويحذّر التقرير من أن هذا التدهور في صورة “صُنع في إسرائيل” بدأ يترجم عمليًا بما يشبه المقاطعة غير المعلنة للسلع والخدمات الإسرائيلية، مع ما يحمله ذلك من تداعيات اقتصادية محتملة، تشمل تراجع الاستثمارات الأجنبية، وانكماش قطاع السياحة، وتآكل الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي على المدى المتوسط والطويل.
وفي هذا السياق، قال موتي شرف، مؤسس مبادرة BrandIL، إن “إسرائيل فقدت سيادتها على علامتها الوطنية في عصر باتت فيه الهوية والصورة الذهنية عملة سياسية واقتصادية حاسمة”. وأضاف أن إسرائيل “لا تملك اليوم أدوات فعّالة للسيطرة على صورتها أو تحسينها”، معتبرًا أن أي محاولة لاستعادة المكانة الدولية تتطلب تغييرًا جذريًا في المقاربة، والسردية، والمنصات المستخدمة، رغم تأكيده أن “إسرائيل قادرة على قلب المعادلة إذا اختارت ذلك، بعدما واجهت في السابق تحديات أعقد”.
وعند مقارنة وضع إسرائيل بدول أخرى في المنطقة، يبرز التباين بوضوح. فقد سجلت السعودية أكبر قفزة إيجابية في التصنيف، مع تحسّن تجاوز 4%، ما وضعها في المرتبة 42، وسط تزايد النظرة إليها كدولة أكثر شرعية وحضورًا دوليًا. في المقابل، أُدرجت السلطة الفلسطينية في المؤشر لأغراض المقارنة، وحققت تحسّنًا بنسبة 1.1%، لتحتل المرتبة 50.
أما الولايات المتحدة، الحليف الأبرز لإسرائيل، فواصلت تراجعها في صورة علامتها الوطنية، لتأتي في المرتبة 14 بعد انخفاض يقارب 1.9%، في مسار بدأ، وفق التقرير، منذ صعود إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وعلى مستوى “السنتيمِنت الإنساني”، أظهرت البيانات أن أكثر الدول تعاطفًا مع الإسرائيليين هي البرازيل، والولايات المتحدة، والهند، فيما تصدّرت اليابان وألمانيا وكندا وإيطاليا وسويسرا قائمة الدول الخمس الأولى عالميًا في صورة العلامة الوطنية.
وفي محاولة لمواجهة هذا التراجع، أعلنت مبادرة BrandIL عن إطلاق نموذج استراتيجي جديد تحت اسم D.A.R.E، يعتمد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، ويهدف إلى استعادة ما تسميه “السيادة على العلامة الوطنية الإسرائيلية”، عبر الانتقال من سياسة دفاعية إلى مقاربة استباقية، وبناء شراكات مع مجتمعات دولية، إلى جانب إنشاء كيان مالي لدعم استثمارات في مشاريع عالمية.
ويخلص التقرير إلى أن أزمة صورة إسرائيل لم تعد مسألة علاقات عامة أو حملات إعلامية ظرفية، بل تحوّلت إلى تحدٍّ بنيوي يمس مكانتها السياسية والاقتصادية والإنسانية في العالم، في لحظة دولية تتزايد فيها حساسية الرأي العام تجاه قضايا الحروب والحقوق والشرعية.