عاد القائم بأعمال رئيس حزب بنغلاديش الوطني، طارق رحمن، إلى بلاده بعد نحو 17 عامًا في المنفى، في خطوة يأمل الحزب أن تشحذ همم أنصاره مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، حيث يُنظر إلى رحمن على أنّه المرشّح الأوفر حظًا لرئاسة الحكومة.

واصطف مئات الآلاف من مؤيديه على الطريق الممتد من مطار دكا إلى مكان الاستقبال، ملوّحين بأعلام الحزب وحاملين اللافتات والزهور، فيما ردّدوا شعارات ترحيب بالزعيم العائد. وكان في استقباله كبار قادة الحزب وسط إجراءات أمنية مشدّدة.
ولدى خروجه من المطار، خلع رحمن حذاءه وسار حافي القدمين على أرض بنغلاديش، قبل أن يلتقط حفنة من التراب في لفتة رمزية عبّر من خلالها عن فرحته بالعودة. كما شوهد واقفًا بجانب مقعد السائق في الحافلة التي أقلّته إلى مكان الاستقبال، مبتسمًا ومحيّيًا الحشود التي تدافعت لإلقاء نظرة عليه.
وأمام الجموع، استهلّ رحمن كلمته بعبارة: "يا بنغلاديش الحبيبة"، متعهدًا بتوحيد أبناء جميع الأديان وضمان سلامتهم، وقال: "سنبني بنغلاديش التي تحلم بها كل أم". ودعا المواطنين من مختلف المناطق والانتماءات الدينية إلى الانضمام إليه لبناء دولة آمنة وشاملة، مؤكدًا أنّ التعاون بين الجميع كفيل بإعادة بناء بلد ديمقراطي يقوم على اقتصاد قوي، وردّد ثلاث مرات: "نريد السلام في البلاد".
ويقيم رحمن، البالغ من العمر 60 عامًا، في لندن منذ عام 2008، وهو نجل رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء، ويتولى رئاسة الحزب بالإنابة منذ عام 2018. ولم يكن قادرًا على العودة سابقًا بسبب ملاحقته في قضايا جنائية عدّة، بينها غسل أموال وقضية مرتبطة بمؤامرة لاغتيال رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، وقد أُدين فيها غيابيًا.

إلا أنّ هذه الأحكام سقطت عقب الإطاحة بحسينة العام الماضي في انتفاضة قادها الطلاب، ما أزال العوائق القانونية أمام عودته إلى البلاد.
وتأتي عودة رحمن في وقت تدخل فيه بنغلاديش، التي يبلغ عدد سكانها نحو 175 مليون نسمة، مرحلة انتخابية حساسة في ظل حكومة انتقالية يقودها الحائز جائزة نوبل محمد يونس، حيث يُنظر إلى الانتخابات المرتقبة على أنّها مفصلية لاستعادة الاستقرار السياسي بعد قرابة عامين من الاضطرابات.

وبينما تعهّدت السلطات بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، أثارت الهجمات الأخيرة على وسائل الإعلام وأعمال العنف المتفرقة مخاوف واسعة، ما يجعل عودة رحمن محطة مفصلية لكل من حزب بنغلاديش الوطني ومسار الانتقال السياسي الهش في البلاد.
كما تحمل عودة رحمن بعدًا شخصيًا، في ظل معاناة والدته من مرض خطير منذ أشهر، فيما تغيّر المشهد السياسي جذريًا بعد إبعاد حسينة عن السلطة، لتنتهي بذلك عقود من التناوب بينها وبين خالدة ضياء على رئاسة الحكومة.
وأشار استطلاع أجراه المعهد الجمهوري الدولي في كانون الأول إلى أنّ حزب بنغلاديش الوطني يتجه للفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، في ظل منافسة من حزب الجماعة الإسلامية. وفي المقابل، هدّد حزب رابطة عوامي بزعامة حسينة بإحداث قلاقل، ما يثير مخاوف من تعطيل عملية التصويت المقررة في 12 شباط المقبل.