في هذا السياق، يؤكد النائب أديب عبد المسيح، في حديثٍ لـ"ليبانون ديبايت"، أن "الإشكالية الأساسية في هذا القانون تكمن في كونه غير قائم على بيانات علمية واضحة، معتبرًا أن النواب، أمام قانون بهذه الخطورة، يفترض أن يمتلكوا معطيات دقيقة وشاملة قبل إقراره، فهذا القانون مفصلي، كونه يرتبط مباشرة بأموال الناس وبأموال الدولة، ويرسم ملامح المالية العامة للبلاد على مدى العشرين سنة المقبلة".
ويوضح عبد المسيح أن "أي قانون من هذا النوع يجب أن يُبنى على بيانات موثوقة تُقدَّم إلى المجلس النيابي، تشمل تدقيقًا جنائيًا وتدقيقًا محاسبيًا، إضافة إلى معطيات واضحة من المصارف وبيانات صادرة عن مصرف لبنان، والفريق النيابي يحتاج إلى الاطلاع على هذه المعطيات من أجل اتخاذ قرار مبني على أسس صحيحة، معتبرًا أن ما يُقدَّم اليوم لا يتعدّى كونه تقديرات قد تكون خاطئة".
ويلفت عبد المسيح إلى أن "القانون لم يلحظ أي استثناء عادل لصناديق المهن الحرة، مثل صناديق نقابات المهندسين والمحامين والأطباء وغيرها، مشددًا على وجود فرق جوهري بين مودع فرد يملك وديعة بقيمة 40 أو 50 مليون دولار، وبين صندوق يضم مئة ألف مهندس مثلًا وتبلغ ودائعه 500 مليون دولار".
ويؤكّد أن "هذه الصناديق تؤثر بشكل مباشر على المجتمع، ولا يجوز التعامل معها بالطريقة نفسها المعتمدة مع المودع الفردي، معتبرًا أن التمييز بين المودع الطبيعي والمودع المعنوي كان ضروريًا، لا سيما في ما يتعلق بالصناديق".
أما في ما يخص توزيع الخسائر، فيطرح عبد المسيح سؤالًا أساسيًا حول الجهة التي ستتحمل المسؤولية، متسائلًا عمّن أدار الأزمة بشكل خاطئ، ومن تسبب بها، ومن تواطأ فيها، ومؤكدًا أنه "لا يمكن الخروج بحل لا يتضمن محاسبة واضحة، وكأن شيئًا لم يحصل".
ويشير إلى إشكالية جوهرية تتعلق بمصادر الأموال، متسائلًا عن مصدر السيولة اللازمة لتنفيذ القانون، حيث يرى أن تأمين السيولة يتطلب اقتصادًا منتجًا وتدفقًا فعليًا للأموال، وهو ما يحتاج بدوره إلى دولة مستقرة وحلول لأزمات أساسية كالكهرباء والاتصالات، إضافة إلى معالجة ملف إعادة الإعمار، والدين العام، والدين الخارجي، وإعادة هيكلة الدين الداخلي، وملف اليوروبوند، ما يطرح علامات استفهام حول قابلية تنفيذ القانون".
ويحذّر عبد المسيح من "تكرار تجربة سلسلة الرتب والرواتب، حيث أُقرت قوانين من دون رؤية تنفيذية واضحة، فهذا القانون يُبنى اليوم على تصور اقتصادي افتراضي يمتد لأربع أو خمس سنوات، وكأن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية ستتغير فجأة وبشكل جذري، وهو افتراض غير واقعي برأيه".
ويؤكد أن "التصور الاقتصادي المرتبط بالقانون غير عملي ولا يستند إلى أسس واقعية أو معطيات دقيقة، ما يجعل إقراره بهذه الصيغة بالغ الخطورة".
ويضيف أن "هذا القانون قد يشكل خدمة فعلية لصندوق النقد الدولي، من خلال فتح الباب أمام قروض جديدة تؤدي إلى زيادة الديون من دون قدرة حقيقية على السداد، محذرًا من مخاطر هذا المسار وما قد يترتب عليه من سيناريوهات شبيهة بما حصل في دول أخرى".
وعن مصير القانون بعد إحالته إلى مجلس النواب، يتوقع عبد المسيح أن "تشهد المرحلة المقبلة عملية بيع وشراء سياسية، معتبرًا أن تمرير القانون، في حال حصل، قد يكون نتيجة مقايضات سياسية مرتبطة بمصالح انتخابية، لأن تمرير هذا القانون يتطلب ثمنًا سياسيًا كبيرًا، قد يكون من بين تداعياته التغاضي عن المحاسبة أو حتى تأجيل الانتخابات النيابية".
ويخلص عبد المسيح إلى أن "تمرير قانون الفجوة المالية لن يتم من دون مقابل واضح، متسائلًا عن طبيعة هذا المقابل، ومؤكدًا أن ما يجري يعكس عملية بيع وشراء سياسية واضحة حول هذا القانون".