"ليبانون ديبايت" - ميشال نصر

بين مفاوضات ترسيم الحدود وأزمات لبنان المتشعبة، سياسياً واقتصادياً، تنقلت جولات محادثات مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الاقصى ديفيد شينكر، ومعها التحليلات والافلام المنسوجة على وقع تسريبات كثيرة عن اجواء اللقاءات التي جرت على مدى اربعة ايام، والتي بقي مضمونها في دائرة التكهنات، مع اعتماده تكتيكاً واضحاً، مدرك تماماً اين ومتى وكيف ولمن يبلّغ الرسائل، ليغادر بيروت تاركاً وراءه "بلبلة مقصودة وحيرة مطلوبة"، انعكست فرملة في مفاوضات التكليف والتشكيل.

كل الدوائر المعنية في المقرات السياسية، ادارت محركاتها، متحرية متابعة بإهتمام كل التفاصيل شكلاً ومضموناً، منتهية الى قاسم مشترك واحد عنوانه "الغموض البناء"، بعدما اعاد الضيف الاميركي التأكيد على موقف بلاده الثابت من مختلف الملفات، سواء بكلام مباشر، او غمزاً وايحاءً، يفترض باللبيب ان يلتقط اشاراتها.

بالتأكيد، على رأس سلم الاهتمامات الاميركية ملف ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، والذي بيّنت زيارة " الضيف - الوسيط" مجموعة من النقاط اهمها:

- "اشادة خجولة" برئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية "شجاعته" في اعلان اتفاق الاطار، الذي على اساسه انطلقت المفاوضات، التي حدد تاريخ نهايتها السفير شينكر، مستطرداً بأنه لا يعلم حتى الساعة ما هي المرحلة التالية بعد الاتفاق.

- النقطة الثانية والاهم على هذا الصعيد، اصراره على متابعة الملف مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وفريقه، مكّرساً بذلك الطبيعة السياسية للملف، وهو ما دفعه لعدم زيارة اليرزة، خلافاً لعادة الموفدين الاميركيين الذين جعلوا من قيادة الجيش محطة اساسية.

وبعيدا عن ملف الترسيم ومآلاته، تشير شخصية واكبت الزيارة عن قرب، ان "الصديق دايف" لم يتطرق بالتفصيل الى موضوع تشكيل الحكومة، محاذراص الدخول في لعبة الاسماء، مكرراً اكثر من مرة ان تغريدة وزير الخارجية مايك بومبيو واضحة جداً في ما خص ملف الحكومة والمطالب. ولكن ما الذي حملته الزيارة على هذا الصعيد؟

انتهت الشخصية التي اجرت "جوجلة" لجولات شينكر البيروتية، الى مجموعة نقاط اساسية، اصر الضيف على عدم اعطاء بعضها اكثر من حجمه، وان اتت لافتة في الشكل.

بداية، يبدو ان الموقف الاميركي من الرئيس عون، ورئيس حزب التيار الوطني الحر، ما زال على حاله، وقد جاء "تراشق" البيانات بين بعبدا وعوكر، ليدحض اي تحليل مخالف، اذ شكّلت مسارعة السفارة، في خطوة لافتة قلّ نظيرها، الى اعادة تأكيد شعار "كلن يعني كلن" الذي تبنته وزارة الخزانة الاميركية. يضاف الى ذلك الرسالة المزدوجة للنائب جبران باسيل، اولا، من خلال استثنائه من جدول اللقاءات، وثانياً، الزيارة الاميركية لسليمان بيك.

وهنا تشير الشخصية الى انه جرى تحميل تلك الزيارة الكثير وابعد من الهدف الذي اراده الاميركيون لها، ذلك انه وبالعودة الى السوابق التاريخية، فإن مسؤولين اميركيين لطالما التقوا بشخصيات فرضت عقوبات على مقربين منها. اذن يمكن تصنيف هذا اللقاء، الذي استضافه الوزير عريجي، في باب "زكزكة" للوزير السابق جبران باسيل.
علماً ان اكثر من رسالة وصلت الى لبنان تفيد بأن المقصود من استهداف الوزير السابق يوسف فنيانوس هما حزب الله والرئيس سعد الحريري.

اما النقطة الثانية التي كثرت التكهنات حولها وحول مغزاها، كانت زيارته لبيت الوسط. هنا تذكّر الشخصية بأن السفير دايفيد هيل سبق وزار الرئيس الحريري خلال جولته السابقة، متسائلة كيف قرأ البعض في الزيارة دعماً وتأييداً للحريري لتشكيل الحكومة؟ فشينكر اجاب بوضوح عند سؤاله عن الامر بالقول"الشعب اللبناني هو صاحب القرار، ما يهمنا البرنامج والاصلاحات التي تلبي مطالب اللبنانيين، محذراً من الرهان على الحصول على مساعدات بالاستناد الى شخصيات لا مشروع". وهنا دعت مصادر مطلعة الى مراقبة موقف المملكة العربية السعودية.

النقطة الثالثة، هي زيارة شينكر الى بكركي، التي ارادها رسالة واضحة، بأن واشنطن تدعم طرح بكركي بالحياد ومطالبها، وبالتالي لابلاغ المعنيين بضرورة عدم تجاهل صوت البطريرك الماروني، وان المقاطعة لاطراف مسيحية، لا ولن يعني تحت اي ظرف من الظروف تخطي المكوّن المسيحي. اذ يبدو ان واشنطن غير "مرحبة" بقيام تحالف ثلاثي درزي - سني - شيعي.

اذاً، انتهت زيارة السفير شينكر من حيث بدأت، ضياع وفوضى وغموض، تاركاً المسؤولين اللبنانيين يضربون اخماسهم بأسداسهم لتفكيك شيفرة الزيارة شكلاً ومضموناً، وجملة يتيمة تحمل الكثير خلاصتها "6 اشهر صعبة في انتظار لبنان".

لكن، ما سرّ اهتمام الاميركيين بإحياء المبادرة الفرنسية؟ الجواب في البراغماتية الجمهورية الساعية الى مزيد من الاغراق للفرنسيين في لبنان...