المحلية

الاثنين 13 أيلول 2021 - 05:32

"ثلث الحكومة" عند ماكرون

"ثلث الحكومة" عند ماكرون

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

عام 2018 وفي ريعان شباب العهد، أراد رئيس "التيّار الوطني الحر" جبران باسيل تجربة حظّه في "مزاركة" رئيس مجلس النواب نبيه برّي ومحاولة استفزازه، فأعلن أن تيّاره سيكون بمثابة "التيار الشيعي الثالث" أو أنه سيعمل على أن تكون حاله كمثل ذلك. مرّت الأيام واجتاح العهد و"التيار" والبلاد بأسرها ما اجتاحه، دون أن تتحقّق نبؤة باسيل، إلى أن حلّ زمن نجيب ميقاتي، وأنتج حكومته الثالثة في مساره السياسي، ويا للعجب، حملت مؤشرات لشراكة طرف ثالث ضمن الحصة الشيعية وبشكل مبطّن، دون أن يحظى "جبران" ببركة ما طمح!

عملياً، ثبتّت حكومة نجيب ميقاتي الجديدة عدّة قضايا سياسية كانت محلّ نقاش طوال فترة سريان مفاوضات التأليف. فرئيس مجلس النواب لم يكن العرّاب الوحيد لإنتاج الحكومة، بل شاركه داخلياً رئيس الجمهورية ميشال عون، على نحوٍ مغاير لما كان يحصل بعد الطائف. وفي هذا المجال هناك من يسوّق لنظرية "إنتصار عون على خصومه". في الموازاة، يمكن ضمّ "حزب الله" إلى قائمة الشركاء المؤثّرين في الداخل. فللمرّة الأولى منذ الطائف أيضاً، إنخرطَ الحزب وعلى نحوٍ مباشر وواضح في مضمار التأليف وكانت له كلمة فصل وخبطة يد على الطاولة. خارجياً، ثبت أن 3 قوى دولية وإقليمية على الأقل شاركت بتأليف الحكومة: إيران، فرنسا والولايات المتحدة، وكلّ من الجهات الثالثة "لحسَ إصبعه" سواء على صعيد التمثيل الوزراي أو جناية الأثمان السياسية أو القبض على الورق.

وبخلاف ما ساد سابقاً، يُعدّ الفرنسيون الآن أكثر فئة ارتدّت إليها فؤائد التأليف الجديد أو جنت ثمارها تبعاً لدورها الذي تجلّى بعيد انفجار المرفأ في 4 آب 2020. فرئيسا الجمهورية والحكومة بالشراكة مع الأطراف الآخرين في الداخل طبعاً، ردّوا تحية "المبادرة" إلى الرئيس إيمانويل ماكرون، بتعيين عدد لا بأس به من الوزراء حملة الجنسية الفرنسية أو المتأثرين بنمط الحياة الفرنسية، ما أهّل فرنسا ضمناً وتبعاً لمقتضيات "التعهد"، بأن تكون شريكة في الحكومة الراهنة وبالتالي شريكة في القرار اللبناني من خلال وضع ثلث الحكومة في جعبة الرئيس إيمانويل ماكرون، إلى جانب راعية المشاريع الإقتصادية والإنتاجية المستقبلية في لبنان. إضافة إلى أن "المؤلفين" في الداخل، أخذوا بوجهة النظر الفرنسية حيال تسميات كثيرة. ودرجة الإهتمام الفرنسية من قبل الساسة اللبنانيين ،لا يمكن ردّها فقط إلى "ردّة إجر" لباريس إنما لإنتاجية فرنسية وانفتاح فريدٍ من نوعه، سُجّل خلال الفترة المنصرمة، من خلال إتفاقية التعاون الضخمة المبرمة بين العراق و "توتال" لبناء 4 مشاريع عملاقة للطاقة بتكلفة قدرها 27 مليار دولار. وفي سياق التقاطعات، لم تكن لتمرّ تلك الإتفاقية دون مساعدة إيرانية و "قبّة باط" أميركية. وثمة من يجزم بأن فرنسا قاربت على قبض الثمن ثم توزيع الأثمان المقابلة فكان الملف اللبناني نتيجة أولى ومحل تقاطع على صعيد تنازلات متوازنة أبرمت وجرى ترتيبها بين فرقاء الداخل والخارج وأدّت إلى ما أدّت إليه.

عملياً ولدت الحكومة إذاً. إحدى المفارقات المسجّلة، أن لا مجال للجزم بوجود "ثلث معطل" لفريق سياسي دون آخر، وإن كان البعض مثلاً يدّعي في مجالسه أن لديه "وزراء ملوكاً" مخبّئين إلى الزمن الأسود، وآخر يقول أن الحكومة "ما كانت لتمرق لو لم يتأكد لنا حفظنا لـ9 وزراء على الأقل". إذاً يبدو الثلث موجوداً لكنه وبخلاف السابق يبدو متحركاً عند أكثر من طرف تبعاً للمواضيع المطروحة ولطبيعة حضور "الشرطي" الفرنسي على الطاولة الذي يمثل الضمانة الحالية لهذا الثلث بصفته لاعباً. وسيتظهر حضور "الثلث" زمنياً وبشكل متفرّق بحسب الظروف والملفات ووفق "التقسيم الإداري" في الحكومة الموزّع بين فريقين: داعم لرئيس الجمهورية ومعارض له. أما "الثلث" الغالب الذي يمكن الجزم به فذات طبيعة تتصل بالملفات ذات البعد الإستراتيجي، وهذا يحافظ عليه "حزب الله" ويحفظ له حقه وهواجسه وحضوره القوي، ويأتي معزولاً عن أية إمكانية لاستخدامه في الملفات ذات الطابع الداخلي والتي ستبقى محل نزاع متجدد.

في أحدث تصريح للرئيس ميقاتي، جزم أن لديه في هذه الحكومة "أكثر من ثلثي وزرائها"، وقد أتى ذلك بمثابة الردّ على الأقاويل المنتشرة التي تتردّد حول طبيعة "الثلث" محل الإشتباك السابق والآتي ومن يملك حظوته. وهنا، يمكن التقدير بأن جزم ميقاتي لا يأتي من فراغ، إنما لطبيعة مشاركته الأساسية في تسمية الوزراء، بدليل أن غالبيتهم تولّى التواصل معهم هاتفياً قبل التسمية وإخضاعهم لورشات اختبار مكثّفة. لكن ذلك لا يحول طبعاً دون وجود جينات لأطراف سياسية لدى هؤلاء الوزراء.

يتمظهر ذلك ضمن الحصة الشيعية والمقدّرة بـ5 وزراء. فصحيح أنها وزعت على مبدأ ظاهري "مناصفة" بين الثنائي الشيعي 2 ونصف بـ 2 ونصف، لكن التدقيق يُظهر أن حصة "حزب الله " مثلاً في وزارة الأشغال، كانت نتاج تقاطع مع فرنسا التي كانت تطلب أن تؤول الحقيبة إلى حصتها إنفاذاً للمشاريع المقبلة التي تعمل شركاتها على إنجاز خططها، واختيار الوزير علي حمية يقع في مجال هذا التصريف ضمناً، بحيث أن الحزب وحركة "أمل" يحظيان به بمقدار حظي فرنسا به. ينطبق ذلك على وزير الزراعة عباس الحاج حسن، ذات المنشأ الفرنسي وخرّيج الجامعات الفرنسية. الأمر نفسه يُمكن عكسه إلى حدٍ بعيد ما على وزير المال يوسف خليل. فصحيح أن الرئيس برّي سمّاه، لكنه ليس منتمياً إلى حركة "أمل" أو يعدّ بمستوى القرب منها، كما لا تجمعه علاقة بالحزب.. بقي وزيران هما عملياً حصة الثنائي الحقيقية: مصطفى بيرم عن "حزب الله " ومحمد مرتضى عن حركة "أمل"، وكلاهما نالا حقائب "متواضعة" نظرياً.

ذات الأمر يمكن إسقاطه على الوزراء الآخرين المحسوبين إفتراضياً على الزعامات التقليدية. وعلى هذا النحو لا يمكن اعتبار أن "الثلث" مردود إلى تلك الجماعات بقدر ما يتواجد مفتاحه في باريس، وإن أوحى ظاهر الموضوع أن كلّ الأطراف لها نفوذ الثلثين في "حكومة الإنتخابات" وهنا، تصبح إشارة ماكرون حين خص نفسه بالتهنئة حين تألفت الحكومة، ذات مغزى واضح ومضمون صريح بضمان حصول باريس على ما ارادت من وراء حكومة سعت لأجلها طيلة عام وأكثر... وللبحث صلة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة