Beirut
31°
|
Homepage
المقاومة تضرب على الرأس مباشرة … التفوّق الجوي لم يعد إسرائيلياً
عبدالله قمح | المصدر: ليبانون ديبايت | الجمعة 17 أيار 2024 - 7:24

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

من المعادلات التي فعّلتها المقاومة أخيراً أن كل اغتيالٍ لمقاوم يقابله ضربة تكتيكية من خلال مسيّرة، وفي مقابل اغتيالٍ جسدي تغتال المقاومة معنوياً جانباً مهماً من الصورة العسكرية الإسرائيلية. ولا بدّ أن يكون الخيار قد وقع على الجانب المرتبط بالتفوّق الجوي.

في ما بعد قامت المقاومة بإرساء دعائم تثبيت المعادلة من خلال ضربات غير مقيدة وجّهتها لمواقع العدو في عرب العرامشة وتخوم مدينة عكا وفي الجولان المحتل. ومع تطور العمل العسكري وانزلاقه نحو مسارٍ أمني واضح، شهدت المقاومة على تطوير هذه المعادلة قياساً بالسابق.


فبات العنوان الأول أن الإرتقاء في سلّم العمل العسكري يحكمه تطور الميدان. أي أن كل فعل يؤتى مقابله بفعل مضاعف، ما فتح المجال أمام العنوان الثاني الساري حالياً، في ملاقاة المقاومة، التصعيد بالتصعيد،والتصعيد قبل التصعيد من خلال إبراز قدرات لها علاقة بالتفوّق الجوي لديها.

منذ اللحظة الأولى كان التقدير العسكري بالنسبة إلى المقاومة أن العدو مقيّد على الأرض بحركة عناصرها الميدانية، وبأهداف المعركة وقواعدها المرسومة وحدودها الجغرافية التي فرضها "حزب الله"، كنوع من إبراز حجم القدرات منذ 8 تشرين الأول الماضي. بالتالي، شكّل سلاح الجو بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي العامود الفقري للعمل العسكري تجاه لبنان في محاولة منه لتقويض نشاط المقاومة، وقد حلّبديلاً للعجز عن المعالجة البرية المفترضة.

ولا من شك أن إسرائيل اعتمدت بشكل كامل على قدراتها الجوية في محاولة مكافحة خطر المقاومة. وعليه، كانت أغلب الإستهدافات (إن لم يكن أكثرها) تشنّ من خلال مقاتلات حربية أو عبر مسيّرات، تقوم باستهداف قرى ومنازل، وتقوم بتتبّع حركة المقاتلين على الأرض. وبدا أيضاً أن المقاومة التي تكيّفت في مناخ التعامل مع هذا السلاح من خلال تجارب ومناورات وتأهيل، وبصمت قدراته جيداً، تحسب لضرب قدرة التفوّق الجوي لدى الإسرائيلي، ممّا له من أثر بالغ على قدرته العسكرية بشكل عام.

وممّا لا شك فيه أن أحد أهداف المعركة الجارية توجيه ضربة معنوية لهذا السلاح تحديداً، ما يمهِّد لتهذيب حضوره من ضمن المعادلات، وعطفاً في جولات الحرب على المدى البعيد، ثم خلق معادلة بديلة قوامها التوازن في التفوق الجوي بين الطرفين. لذلك، بدا أن المقاومة ترتقي في سلم المعركة ولا ترمي أوراقها دفعة واحدة ولا تحرق المراحل، بل تعمل على تثبيت دعائم نظريتها الحديثة. في البداية أخذت تتعامل مع المسيّرات الإسرائيلية التقليدية صغيرة الحجم من خلال تقنيات السيطرة والإسقاط الإلكتروني. في ما بعد تعاملت مع المسيّرات الأكبر حجماً والموسومة بالذكاء كـ(هيرمس 450 وهيرمس 750) من خلال الإسقاط عبر الإستهداف الصاروخي.

في المراحل التي تلت ومع تطور شكل المعركة ونجاح المقاومة من إخراج العدد الأكبر من الوسائط الإلكترونية المنتشرة على طول الحدود عن الخدمة، ما أظهر فوائد متعددة توفرها الحسّاسات وأجهزة الإستشعار والتتبّع والمراقبة، ما تسبّب بإرباك نظام إطلاق التنبيهات حيال تسلّل المسيّرات وفشله في مهام تتبع مسيّرات الحزب، ما أتاح مجالاً لعبورها والوصول إلى الأهداف من دون إزعاج، عزّزت المقاومة من الإعتماد على سلاح المسيّرات التابع للوحدة الجوية. في البداية بدا ملاحظاً أن المقاومة كانت كمن يلهو باستهداف مواقع ليست بحسّاسة مقارنة بما استهدف لاحقاً. وفُهم أن المقاومة تتعمّد إبراز قدراتها وتقوم بتوجيه رسائل، ولاحقاً حكم التطوّر هذا الأسلوب.

ومن خلال الإرتقاء في الإستهدافات مع كل اغتيال، باتت الأهداف أغنى وتحقِّق إصابات مؤكدة، ما أجبر الإعلام الإسرائيلي على الإعتراف بمدى خطر سلاح المسيّرات على مسار المواجهة بشكل عام. ومع تطوّر أساليب المعركة كانت المقاومة تعزّز من الإعتماد على السلاح المسيّر، حتى باتت صورة المعركة بشكلها الحالي تعتمد على إحاطة جوية شاملة ذات بعد إستخباراتي دقيق تتولاه المقاومة على مدار الساعة مقابل إحاطة جوية إسرائيلية مشابهة، ما مكّن المقاومة من توجيه ضربات دقيقة كإخراج المنطاد التجسّسي فوق "أدميت" عن الخدمة عبر ضرب وحدة التحكّم الخاص به، وبالتالي، لم تعد المقاومة تعتمد مثلاً على أساليب الرصد التقليدية، بل ذهبت نحو تفعيل سلاح المسيّرات، بشكل أدّى غرضه في تحديد الأهداف وتوفير مجال لدراسة نقاط الضعف، وبالتالي، لم يعد التفوّق الجوي حكراً على طرف بعينه.

بناءً عليه، كان لا بدّ من تحقيق قفزات من بينها إخراج قدرات التحكم الجوي التابعة للعدو عن الخدمة، أو إفقادها ميزة تحديد الأهداف أو جعلها عرضة للإشغال بشكل دائم. ولا يأتي هنا تكرار استهداف قاعدة "ميرون" من خلفية متصلة فقط برد كلاسيكي على اغتيال معين،أو تجاوز للخطوط، إنما تعمّد استهداف المنشآت المستحدثة كنوع من إبراز القدرة على السيطرة والتحكم والإستمرار في سياسة "الإعماء الجوي ـ التقني". كذلك اندراج الهدف من ضرب مركز التحكم وقاعدة الإطلاق العائدة إلى المنطاد التجسّسي، ومن ثم الهجوم الجوي الذي استخدمت فيه مسيّرات إنقضاضية مستهدفة جزءاً من منظومة المراقبة والكشف الشاملة التابعة لسلاح الجو في قاعدة "إيلانية" غرب مدينة طبريا، ولاحقاً زيادة الإرتقاء عبر شنّ هجوم على موقع عسكري في مستعمرة المطلة استخدم خلاله سلاح مسيّر ذات تسليح مزدوج بصواريخ ومتفجرات.

إستخدام "حزب الله" تكتيكات مختلفة في ظل قرار بالإرتقاء ضمن حدود معينة بالعمليات، يفصح عن إمكانياته ومدى القدرات التي يحظى بها وما في مقدوره فعله وما يخبئه. والإرتقاء بحد ذاته، هو بالمناسبة رسالة أمنية تصرف عسكرياً، وفي الإمكان استخدامها في المجال السياسي، بما يشكل تأثيراً على مسار الحل في الجنوب، أو ما بات يسمى بـ"اليوم التالي عند الجبهة الشمالية".

ولا يمكن إلاّ أن يكون ممراً يحكم أي تسوية محتملة، حدودها واضحة بالنسبة إلى المقاومة لجهة إعادة فتح النقاش في ما تبقى من نقاط متحفّظ عليها، وضم موضوع حرّية التنقيب عن الغاز في البحر إلى أي مسار مستقبلي. وبهذا المعنى يتّضح أن الحزب بات في وارد تحصيل مكاسب من وراء جولات الحرب أو أنه في واردها، لن يصرفها في البعد السياسي الداخلي، إنما بوضعية لبنان لا سيّما تجاه حدوده والمناطق التي ما تزال إسرائيل تحتلها.

وبالتالي، يُفهم أن دخوله المعركة في الأساس، بنيَ على استراتيجية تحصيل مكاسب من العدو بعدما ثبت أن السياسة والدبلوماسية لن يأتيان بأية مفاعيل لا في تحرير مسار التنقيب، ولا في دفع اسرائيل إلى الحديث حول النقاط المتحفّظ عليها،ولا بوضع مزارع شبعا على بساط البحث رغم حصول محاولات سابقة. وهذا يعني أن المعركة ستستمر لغاية تحقيق النتائج بصرف النظر عن البعد العسكري المرتبط بإسناد المقاومة في غزة. وما يبدو عليه الأمر، أن خطوات "حزب الله" جاءت محسوبة ضمناً من تاريخ نصبه الخيمة الشهيرة في المزارع المحتلة قبل 8 تشرين الأول.
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
منصة لدعم وصول عون إلى بعبدا! 9 لا تهريب للدولار إلى سوريا... ولكن ما يحصل أخطر! 5 بعد أسبوع من المعاناة... ماريو رحل تاركاً غصّة في قلوب محبّيه! (صور) 1
لا تأمين للمطار 10 سابقة من نوعها... مسجد يقفل أبوابه أمام المصلّين! 6 إنخفاضٌ في أسعار المحروقات! 2
"حوادث أمنية مقلقة"... أيادٍ خارجية تعبث بأمن منطقة لبنانية! 11 قرارٌ من بايدن بشأن اللبنانيين في أميركا! 7 المحاولة الأخيرة لهوكشتين... باسيل: أنا مع "الحزب" 3
تموز يودّعنا بطقس معتدل... وتغيّرات "مفاجئة" سيشهدها الـ"Weekend"! 12 حضور مفاجئ! 8 بعد ترحيله من لبنان... فرنسا تتسلّم تاجر المخدرات "البروفسور"! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر