مختارات

السبت 17 تشرين الأول 2015 - 08:42 الديار

أنصاف آلهة يحكمون أنصاف بشر

placeholder

يا صاحب القداسة، المشكلة ليست في الصناديق التي تفيض بالقمامة. هي في الرؤوس التي تفيض بالقمامة!
هل الحكومة في حال الموت السريري ام الدولة التي في حال الموت السريري؟ لعل الكرادلة الذين حولك نقلوا اليك السؤال الذي يطرح في اكثر من بلاط: هل من حاجة بعد لتلك الدولة التي تدعى...لبنان؟

قبل ان يغادر توم فليتشر، السفير الانكليزي، قال لاصدقاء "لقد اغتالوا كل شيء عندكم". استغرب ثقافة الرياء، وثقافة الزبائنية، وثقافة الغيبوبة حيث لا احد يعترض على كل تلك الديكتاتوريات. في اي مكان آخر ديكتاتورية واحدة. هنا فديرالية الديكتاتوريات. آلهة، انصاف آلهة، يحكمون انصاف بشر. أليست هذه المعادلة الذهبية (الخشبية) في لبنان؟

قيل للحبر الاعظم انها ازمة المسيحيين (او الموارنة الذين يختزلون المسيحيين) في لبنان. صراعات، والاعيب، وبهلوانيات، حول كرسي لم يعد يليق حتى بدونكيشوت.
لم يتنبهوا الى ان ازمة المسلمين اشد هولا من ازمة المسيحيين. هنا الازمة ليست حول من يؤول اليه الكرسي بل الى من يؤول اليه الله...
كاد محمد أركون يقول، وقد كتب عن اغتيال العقل، ان المسلمين اغتالوا الله وانتهى الامر...

لم تعد بيروت مدينة الشرائع، ولا مدينة اللآلىء، بل هي مدينة النفايات. لطالما سخرنا من البيزنطيين لانهم جادلوا في جنس الملائكة قبل ان تسقط القسطنطينية في يد الفاتح العثماني، نحن نقاتل حول طائفة الله، وقبل ان تسقط بيروت (التي سقطت في صناديق القمامة) في يد الفاتح المغولي...
حتى المساجد تحولت الى مستودعات للضغينة، الى مستودعات للدم. لم يحفظوا من القرآن سوى تلك الآية التي تقول اقتلوهم،واصلبوهم، واقطعوا ايديهم وارجلهم. لا بأس، الازهر الذي قال ذات يوم «احذروا فقه البادية» افتى بالتعاطي هكذا مع تنظيم الدولة الاسلامية الذي من قال انه طارىء على فقهنا للدين وعلى فقهنا للدنيا؟

ايها البابا فرنسيس، الآتي من اقاصي الالم، كما من اقاصي الانجيل، هل قيل لك ان ثمة كاهنا، اسقفا، في كنيسة في لبنان يعظ الناس بانيابه، واحيانا باظلافه؟ يحدث هذا في العديد من المساجد، عند السنّة وعند الشيعة، حيث لا تدري ما اذا كان صاحب الموعظة الذي يطلق العنان لصوته، ولمكبر الصوت ايضا، يلاحق الناس بالكلمة ام بالعصا ام بالساطور. مرة اخرى، هل قيل لك ازمة مسيحيين؟

اولئك الذين يحملون، بكل ما اوتوا من قوة، ومن نفاق، على توتاليتارية النظام في سوريا، وعلى تيوقراطية النظام في السعودية وايران، ألا يستنسخون بيننا اسوأ انواع التوتاليتارية من خلال التعليب المذهبي والسياسي، واسوأ انواع التيوقراطية حين يطرحون انفسهم ملوك الطوائف وحراس الطوائف. حبذا لو قرأوا تيار دو شاردان" الله ليس بحاجة الى من يقف على بابه".
على ارضنا، يا صاحب القداسة، لا ندري كيف تتعايش ثقافة تورا بورا مع ثقافة لاس فيغاس. لم تعد تجد مكانا لا لثقافة ابي ذر الغفاري ولا لثقافة توما الاكويني. نحن كوكتيل عجيب. قد تجد سراج الدين زريقات يراقص هيفاء وهبي. هل من حدود لذلك التيه؟
قالوا لك ان الصراع المسيحي- المسيحي هو الذي يحول دون انتخاب رئيس الجمهورية. لم يقولوا لك ما هو اشد فظاعة، واشد واقعية، ان الصراع الاسلامي- الاسلامي هو الذي يحول دون بقاء الجمهورية، حتى ولو كان بعض اصدقائنا الاوروبيين يثنون علينا لاننا وسط تلك الزلازل، ووسط تلك الحرائق، ما زلنا نقف على اقدامنا. حتامّ نقف على اقدامنا اذا بقينا على تصدعنا وعلى تبعثرنا، وعلى الاقامة، هكذا،على تخوم جهنم؟

الذين يحكموننا، مسلمين ومسيحيين، ايها الحبر الاعظم، لا يتعاملون معنا ككائنات بشرية، بل كهياكل عظمية عصف بها العدم منذ بدايات الدهر...
لا شعب في لبنان بل قصاصات بشرية، والا كيف لاي كان ان يقبل بقانون انتخاب على مقاس اولياء الامر، وهم اولياء الله لا على مقاس الرعايا (الضحايا) الذين لا موطىء قدم لهم في ساحة النجمة. هل نمي اليك اي ادمغة فذة تحت قبة البرلمان؟

المسيحيون ضحايا مثلما المسلمون ضحايا. تذهب بهم الرياح وتأتي بهم الرياح. كل ما يقال عن الديمقراطية، وعن الحداثة، وعن العدالة رياء برياء. لا بد انك قرأت، ايها البابا فرنسيس، وانت من هناك، ما كتبه خورخي بورخيس "هؤلاء هم باعة ارواحنا؟".
حتى في ثقافة التسويات، لا تسويات مخملية بل تسويات جراحية، بعد كل هذا، هل من حاجة لدولة تدعى...لبنان؟!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة