مختارات

حلمي موسى

حلمي موسى

السفير
الخميس 22 تشرين الأول 2015 - 07:06 السفير
حلمي موسى

حلمي موسى

السفير

نتنياهو "مؤرخاً": الفلسطينيون حرّضوا هتلر على إبادة اليهود!

placeholder

قبَيل وصوله إلى العاصمة الألمانيَّة، أراد رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو اصطياد عصفورين بحجر واحد، فأعلن أنَّ مفتي القدس، وزعيم الفلسطينيين حينها، الحاج أمين الحسيني، كان مَن زرع لدى الزعيم النازي أدولف هتلر فكرة إبادة اليهود. وأثار نتنياهو بكلامه هذا، عاصفة انتقادات لم تهدأ، ليس فقط بسبب أنَّ ما قاله يخالف وقائع التاريخ، وإنَّما لأنَّه يُبرِّئ هتلر من ذنب إبادة اليهود، ما اضطرّه لاحقاً إلى التأكيد أنَّه لم يسعَ لتبرئة هتلر من هذا الذنب، من دون أن يتراجع عن كلامه.

وقد نشبت العاصفة عندما قال نتنياهو أمام مؤتمر الكونغرس الصهيوني العالمي المنعقد في القدس المحتلة، إنَّ مفتي القدس كان مَن زرع فكرة إبادة يهود أوروبا في عقل هتلر. وأضاف: «هتلر لم يكن في ذلك الوقت يرغب في إبادة اليهود، كان يريد طردهم.. لكن الحاج أمين الحسيني ذهب إلى هتلر وقال له: «إذا طردتهم فجميعهم سيأتون إلى فلسطين». وبحسب رواية نتنياهو للتاريخ، فإنَّ هتلر سأل حينها: «إذاً ماذا ينبغي أن أفعل؟ فرد عليه المفتي: أحرقهم».

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية يشير إلى اللقاء الذي جمع بين المفتي الفلسطيني والزعيم النازي في برلين، في تشرين الثاني العام 1941.
لا أحد ينكر ذلك اللقاء الذي جمع بين هتلر كزعيم للنازية، والمفتي الذي لم يكن يُمثّل الحركة الوطنية الفلسطينية فحسب، بل جزءاً كبيراً من الحركة القوميّة حينها. وكان القاسم المشترك بين النازية والحركة القومية العربية في بلاد الشام والعراق، العداء للاستعمارَين البريطاني والفرنسي. غير أنَّ وقائع التاريخ تُظهر أنَّ ما يُعرف بـ «المحرقة النازية» ومعسكراتها كتجسيد لما كان يُسمّى بـ «الحلّ النهائي» للمسألة اليهودية، بدأت فعليّاً قبل شهرين من لقاء المفتي بهتلر. كما أنَّ إسرائيل التي حاكمت أدولف آيخمان تعرف جيداً أنَّ البدء بتنفيذ «الحلّ النهائي» جاء بعد سنوات من وضع الخطط العملية له.

ويرى معلّقون أنَّ نتنياهو ليس أوَّل من قال بمثل هذا الادّعاء، إذ سبقه إليه كتّاب على هامش الحديث عن المحرقة النازية، لكن أحداً من المؤرِّخين الجدّيين لم يأخذ به. ومِن الواضح أنَّ كل من أشاروا إلى ذلك، كانوا يرغبون في تضخيم دور العرب في مأساة اليهود لاعتبارات سياسيّة لحظية. وعموماً، كل مَن ضخَّموا هذا الدور، كانوا يرمون إلى إقامة صلة بين لقاء المفتي بهتلر على أرضيّة العداء للاستعمار البريطاني، والحركة الوطنيّة الفلسطينية التي تناهض الاستعمار الصهيوني والاحتلال الإسرائيلي.

ومعروف أنَّ بداية الإبادة الجماعيّة ليهود أوروبا، جاءت مع الغزو الألماني لروسيا في 22 حزيران 1941، حينما بدأت وحدات الفيرماخت بقتل آلاف اليهود ضمن المرحلة الأولى من الحلّ النهائي. وواضح أنَّه في حزيران وتموز بدأوا بالقتل المنهجي لليهود. بل إنَّ مساعد هتلر هاينريش هيلمر، أمر، بحسب الروايات المتداولة، بإبادة كل يهود بيلاروسيا في شهر آب، وبدأت العملية في الأول من آب بقتل 24 ألف يهودي هناك.

في كل حال، كان أوَّل من ردَّ على نتنياهو وانتقده، أعضاء الكنيست من أحزاب المعارضة. وهاجم زعيم «المعسكر الصهيوني»، اسحق هرتسوغ، بشدّة نتنياهو، معتبراً أنَّ هذا «تزوير خطير للتاريخ»، ومطالباً إيّاه بتصحيح كلامه فوراً. وأشار إلى أنَّه «حتّى ابن مؤرخ يحتاج إلى التدقيق في التاريخ». وقال إنَّ كلام نتنياهو «يقزّم المحرقة النازية والنازيين ودور ذلك المستبدّ الفظيع أدولف هتلر في الكارثة العظيمة التي لحقت بشعبنا في المحرقة. هكذا تسقط كثمرة طازجة مباشرةً لأيدي منكري المحرقة ويدخلهم في النزاع مع الفلسطينيين». واستذكر هرتسوغ أنَّ هتلر كتب كتابه «كفاحي» في العام 1939، أي قبل ثلاث سنوات من لقائه مع الحسيني، وألقى خطاباً أمام الرايخستاغ عرض فيه «الحلّ النهائي».
وقال عضو الكنيست ايتسيك شمولي من «المعسكر الصهيوني»، إنَّ «هذا عار كبير. فرئيس حكومة دولة اليهود يخدم منكري المحرقة. هذا لم يحدث لنا من قبل». وأضاف أنَّ «هذه ليست المرة الأولى التي يزوِّر فيها نتنياهو وقائع تاريخيّة، لكن كذباً بهذا الحجم الكبير لم يحدث من قبل. ينبغي لنتنياهو أن يطلب العفو من كل واحد من الناجين من المحرقة».

وتساءلت زعيمة «ميرتس»، زهافا غالئون، عن «أيّ درك من السفالة هبط إليه هذا الرجل. فعدا تحقيرنا كشعب، فإنَّه يجرجرنا في أوحال ذكرى الفظائع التي ارتكبها النازيون ومساعدوهم للشعب اليهودي». وقالت: «أنا خجلة بسببك يا رئيس الحكومة. أمّا التحليلات السيكولوجية فسوف أتركها للآخرين، ولكنّ هناك أمراً واحداً أنا أعرفه فعلاً: من ليس مؤهلاً لتغيير المستقبل، لا يبقى أمامه سوى إعادة كتابة التاريخ».

وردَّ رئيس القائمة العربية الموحّدة في الكنيست، أيمن عودة، على أقوال رئيس الحكومة: «يعيد نتنياهو كتابة التاريخ من أجل التحريض على الشعب الفلسطيني. وضحايا الوحش النازي، وبينهم ملايين اليهود، يتحولون إلى مادّة دعائيّة رخيصة في خدمة رفض السلام. إنَّ نتنياهو يثبت كل يوم كم أنَّه يشكل خطراً على الشعبين، وإلى أيّ مدى بعيد مستعد لأن يذهب من أجل تحصين حكمه وتبرير سياسته الحبلى بالكوارث». كما دان عضو الكنيست أحمد الطيبي بشدّة كلام نتنياهو. وقال إنَّ «هذا كذب وتفاهة تاريخيّة محرجة تسوّغ لهتلر ونظريّته العنصرية التي قادت إلى إبادة يهود. إنَّ كراهية نتنياهو للفلسطينيين ورغبته الشديدة في تسميم أفكار الإسرائيليين ضدهم تقوده إلى فقدان اتّزانه».
وقبل صعوده إلى الطائرة متوجهاً يوم أمس إلى ألمانيا، قال نتنياهو إنَّه في خطابه أمام الكونغرس الصهيوني، لم يقصد إعفاء هتلر من «مسؤوليته الشيطانية على كارثة يهود أوروبا.. فهو المسؤول عن الحلّ النهائي، وهو من اتّخذ القرار».

وكان المتحدث باسم الحكومة الألمانية قد جوبِه بسؤال بشأن كلام نتنياهو، فقال إنَّ «المسؤولية عن المحرقة تقع علينا، ولا حاجة إلى تغيير الموقف في هذا الشأن».
وأضاف المتحدث باسم المستشارة الألمانية، ستيفن سيبرات، أنَّ كل الألمان يعرفون تاريخ إبادة الجنس عند النازيين التي قادت إلى المحرقة، «هذا أمر ندرسه في المدارس الألمانية ولأسباب جيدة: من أجل ألّا ينسى أحد ذلك إلى الأبد. وأنا لا أرى سبباً لتغيير نظرتنا حول هذا الموضوع بأيّ شكل. نحن نعرف أنَّ المسؤولية عن الجريمة ضدّ الإنسانية تقع على ألمانيا وعلى الشعب الألماني».

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة