يقول العلامة الفرنسي Duverger Maurice في مؤلفه: «الحياة السياسية في الاوطان» ان الصراع على السلطة عبر تعديل احكام الدستور، هو خطر جسيم، لأن احكام الدستور يجب ان تتلاءم دائماً مع معطيات الحياة السياسية ومع وتيرة تحرك عجلة الحكم. أما اذا جنح التعديل إلى غلبة فريق على فريق في دولة تعتمد النظام البرلماني، فلا محال في أن تعم الفوضى الحياة السياسية، وأن يهتز ميزان الحق.
منذ العام 2005، عام الخروج السوري من لبنان، بدأت تنكشف عورات وشوائب ونواقص اتفاق الطائف بعدما كانت قوة الوصاية والتدخلات السورية تحجب هذه الثغرات وتوجد حلولاً موضعية لأي مشكلة طارئة. بعد خروج سوريا من لبنان بدأ اللبنانيون يشعرون بوطأة الشوائب والثغرات في اتفاق الطائف ولا سيما منها ما يتعلق بصلاحيات رئاسة الجمهورية.
من هنا اتينا بطرحنا هذا مع شرح مفصل لأبرز الفقرات موضع الخلل من اجل تصحيح وتوضيح النصوص الغامضة والتي تحمل اجتهادات وتأويلاً.
في العام 1990، أجريت تعديلات جذرية على دستور عام 1943، تناولت أحدى وعشرين مادة تتعلق بنظام الحياة السياسية في لبنان، وقد طاولت اكثرية هذه التعديلات صلاحيات رئيس الجمهورية.
لقد حد الدستور الجديد من هذه الصلاحيات بشكل جذري، فانتقلت هذه الصلاحيات إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، وأضحى رئيس الوزراء شريكاً مع رئيس الدولة في تشكيل الحكومة والتوقيع على مرسوم اعلانها، ولم يقتصر تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية على اختيار رئيس الحكومة وتعيين الوزراء فحسب، بل تعداها إلى أمور جوهرية اخرى، فأنتزعت منه السلطة الإجرائية التي كان يتولاها سابقاً بمعاونة الوزراء، وأنيطت بمجلس الوزراء مجتمعاً، ولم تعد من صلاحياته إبرام المعاهدات الدولية منفرداً، كما لم تعد من صلاحياته إقالة الوزراء وتعيين موظفي الفئة الاولى، والدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء وترؤسه، وأقتصرت صلاحياته إلى الحدود المعنوية، بوصفه رئيساً للدولة ورمز وحدتها الوطنية، مع امكانية توجيه الرسائل إلى مجلس النواب في المواضيع التي يعتبرها ضرورية ومهمة.
ففي لبنان، يتبين عبر الممارسة السياسية على ارض الواقع ان انتزاع العديد من صلاحيات رئيس الجمهورية، أفقد النظام اللبناني مناعته، وجعله حكماً متعدد الرؤوس، صعب القيادة ومستحيل الممارسة.
اليوم وبعد مرور حوالى ستة وعشرون عاماً على التعديلات الدستورية، تبين بما لا يقبل الجدل، أن دور رئيس الجمهورية الدستوري بحاجة إلى استدراك، يستوجب اجراء تعديلات جوهرية في صلاحيات ممارسته الحكم، تمكنه من أداء دوره رئيساً للدولة وحكماً بين السلطات وحامياً للدستور وحافظاً لأستقلال الوطن وسيادته، ورمزاً لوحدة الارض والشعب، وهي مهام جلّى تقتضي بالاسراع في إجراء تعديلات دستورية تسهم في انتظام عمل السلطات جميعاً وضبط أدائها، كما تساعد في العمل على تأمين تحاشي حدوث أزمات حكم أو تنافس حاد بين الاغلبية الحاكمة والاقلية المعارضة، حفاظاً على النظام اللبناني وكيان الدولة.
أما المادة 43 من الدستور التي تنص على: «أن للمجلس ان يضع نظامه الداخلي» ، لم تعد تف بالحاجة المطلوبة، أذ يقتضي استكمال هذا النص، بأن «مجلس النواب هو وحده المرجع الصالح لتفسير الدستور، وعلى أن يتم التصويت مثلاً على التفسير بغالبية ثلاثة أرباع مجموع الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً».
كما انه اصبح من الملح تعديل المادة 53 الفقرة الثانية من الدستور التي تنص على ان يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، إستناداً إلى إستشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها، وان يستبدل هذا النص بالآتي:
يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها، كما يمكن لرئيس الجمهورية إعادة هذه الاستشارات مرة ثانية، ومرة ثالثة اذا تبين له ان نتائج دورة الاستشارات الاولى او الثانية لا تتلاءم مع مصلحة الوطن العليا. وفي حال عدم تمكن الرئيس المكلف من تشكيل الحكومة خلال 45 يوماً، يعود لرئيس الجمهورية الحق باعادة اجراء استشارات نيابية ملزمة جديدة.
كما انه من المفيد ايضاً، ولحسن سير عجلة الحكم، ان يستعيد رئيس الجمهورية صلاحية حل المجلس النيابي، وذلك في حالة الضرورة ولمصلحة البلاد، بموجب قرار معلل، أو بناء لإقتراح مجلس الوزراء، وهذا يقتضي اضافة فقرة (13) جديدة على المادة 53 من الدستور.
وفي سياق تأليف المجلس الدستوري، فقد ارتأى بعض رجال القانون وكما هي الحال في فرنسا، ان يقوم رئيس الجمهورية بتعيين اربعة من اعضاء المجلس الدستوري العشرة، على ان ينتخب مجلس النواب ثلاثة اعضاء، والحكومة الثلاثة الباقين، مما يستوجب معه اضافة فقرة 14 على المادة 53 من الدستور.
أما لجهة توقيع المراسيم، فقد أظهرت الممارسة، انه من المفيد ان يشترك مع رئيس الجمهورية في توقيع المراسيم رئيس الحكومة والوزراء المختصين، ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة. كما انه من المفيد ان يمنح رئيس الجمهورية رئيس الحكومة والوزير مهلة خمسة عشر يوماً لتوقيع المراسيم، تبدأ هذه المهلة من تاريخ ورود المرسوم إلى أي منهما.
أما في حال مرور المهلة من دون التوقيع، تصبح المراسيم نافذة حكماً، فتصدرها رئاسة الجمهورية وتطلب نشرها، مع الابقاء على نص المادة 54 لجهة اشتراك رئيس الحكومة مع رئيس الجمهورية في توقيع مراسيم اصدار القوانين .
ويكون من الافضل والاسلم استبدال الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور التي تنص على ان يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم بعبارة «يتفق رئيس الجمهورية مع رئيس مجلس الوزراء على جميع اسماء اعضاء الحكومة وعلى توزيع الحقائب. يصدر رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، كما يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مراسيم قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم».
أما لجهة دعوة مجلس الوزراء للانعقاد في الاحوال الاستثنائية ، فالمادة 53 فقرة 12 تنص على «ان هذه الدعوة توجه بالاتفاق مع رئيس الحكومة»، وهو امر يشكل في بعض الاحيان عائقا، وخصوصاً في الحالات التي يكون فيها رئيس الحكومة خارج البلاد أو في حالة لا يستطيع معها الالتقاء برئيس الجمهورية، فمن المفيد انه في الحالات الاستثنائية القصوى والطارئة وعندما يكون هنالك استحالة التقائهما او عند حدوث خطر داهم، ان يعود لرئيس الجمهورية بصورة منفردة الدعوة إلى مثل هذا الاجتماع.
أما لجهة اصدار رئيس الجمهورية للقوانين ، فقد نصت المادة 56 من الدستور انه «يصدر رئيس الجمهورية القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر، بعد احالتها إلى الحكومة ويطلب نشرها» فمن المفيد هنا اضافة العبارة «تسري مهلة الشهر بالنسبة إلى رئيس الجمهورية من تاريخ ايداع القانون فعلا رئاسة الجمهورية» كما انه ومنعاً لأي تأويل أو تفسير، توضيح ما تبقى من هذه المادة بذكر اذا اصر مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين من اعضاء الحكومة المحددة في مرسوم تشكيلها على القرار او مشروع المرسوم المتخذ في القرارات العادية، وبأكثرية ثلاثة ارباع عدد اعضاء الحكومة المحدد بمرسوم تشكيلها، في القضايا الاساسية المحددة في الفقرة 5 من المادة /65/ من الدستور، أو انقضت المهلة من دون اصدار المرسوم او اعادته، يعتبر القرار نافذا حكما، ووجب نشره. وفي حال تمنع الرئيس عن اصدار القانون وطلب نشره تنشره رئاسة مجلس الوزراء ضمن المهلة المتبقية .
وبالنسبة للمادة 57 من الدستور يوجد التباس فيما يختص بنشر القوانين، إذ ان هذه المادة لم تلحظ الحالة التي لا يستطيع فيها رئيس الجمهورية، ولاسباب خارجة عن ارادته، القيام بمهمة الاصدار والنشر، مما يقتضي معه إيلاء هذا الامر إلى هيئة مكتب المجلس.
أما لجهة مشاريع القوانين المستعجلة، فقد جاء في المادة 85 من الدستور أنه: في كل مشروع قانون تقرر الحكومة كونه مستعجلاً بموافقة مجلس الوزراء مشيرة إلى ذلك في مرسوم الإحالة، يمكن لرئيس الجمهورية بعد مضي اربعين يوماً من طرحه على المجلس، وبعد ادراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته فيها ومضي هذه المهلة دون ان يبت به، ان يصدر مرسوم قاضياً بتنفيذه بعد موافقة مجلس الوزراء.
فمن المفيد الإضافة على هذا النص وجوب «ادراج مشروع القانون في جدول أعمال اول جلسة عامة تلي إيداعه وتلاوته فيه، ومضي هذه المهلة من دون ان يبت».
وفي حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت ، حددت المادة 62 من الدستور بأن تناط صلاحية رئاسة الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.
فمن المفيد في هذا السياق ان تعدل هذه المادة على النحو الآتي:
«لرئيس الجمهورية، في حالتي إستقالته او إنتهاء ولايته من دون انتخاب خلف له، تشكيل حكومة انتقالية تناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية، على ان تنحصر مهمتها في تأمين انتخاب رئيس الجمهورية، وعلى ان تمارس مهامها ضمن اطار تصريف الاعمال بالمعنى الضيق. وإذا خلت سدة الرئاسة لعلة اخرى، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».
في الخلاصة لقد أظهرت الممارسة السياسية لهذا الدستور العديد من الشوائب والثغرات التي شلت الحياة السياسية في الوطن تمامآ كما يحصل اليوم
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News