في تحديد الموقف من أي نشاط في الميدان العام، تلزم معرفة القوى التي تقوم بهذا النشاط بالإضافة إلى البحث عن طبيعة ومصادر الوسائل والأساليب المستخدمة وإلى الكشف عن الأهداف المعلنة وغير المعلنة. فغالباً، وفي بلادنا على وجه الخصوص، لا يتطابق القول والفعل كما هو معروف!
إنّ ممارسة الأعمال الإرهابية تعني الخروج من ساحة السياسة والفكر والحوار . بالضدّ من حرب العصابات في المدن أو حرب الأدغال أو الريف التي سمعنا أو قرأنا عنها، في موضوع الثورات في الصين الماوية وكوبا كاسترو، وغيرها من الحركات الغيفارية التي ظهرت في أميركا اللاتينية وفي بعض الأقطار الأفريقية في سياق حركات التحرّر الوطني.
بكلامٍ أوضح، حرب العصابات كانت في عالم متعدد الأقطاب، وليس في ظلّ القطب الواحد كما هي الحال الآن، في جوهرها محاولة لخلق ظروف ملائمة لتقوية الكيان الوطني دفاعاً عن الاستقلال وتصحيحاً للسياسات الوطنية المتبعة.
أمّا الإرهاب، الذي نما وتفاقم في بيئة دولية تتميّز بأنها تخضع لنظام العولمة تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية، فإنّه بحسب تعريفه، عدوان على أناس عُزّل، عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم . إن الإرهاب إلغاء للفكر، للحوار، للسياسة، للعقل، للمنطق. لننظر حولنا في مجتمعاتنا كيف تتلاشى «إن كنتم لا تعلمون». إنّ الغاية من الإرهاب هي فرض إرادة، أو قرار اتّخذ من دون نقاش، تكلّف بتنفيذه الإرهابيون !
المستعمرون الإسرائيليون استخدموا الإرهاب ضدّ الفلسطينيين. لماذا؟ لأنهم أعدّوا مشروعاً يقضي بإرغام الفلسطينيين على النزوح. كان القصد من المجزرة هو التخويف والترويع، لعلّ الأكثرية تعتبر ممّا جرى فتبادر إلى الهرب. لم يكن المشروع الاستعماري مطروحاً للنقاش. كان المطلوب إفراغ فلسطين من الفلسطينيين وإحلال «مادة بشرية» مكانهم تصلح لبناء دولة استعمارية.. هكذا كان .
موضوعنا هو الإرهاب الذي يضرب في بلادنا، الناس العُزّل. ما هي أهدافه؟ ما هي أسباب ظهوره ونموّه؟
أقتضب هنا فأقول، إنّ الإرهاب الذي يتفشّى في مجتمعاتنا، في بلاد عربية معينة، إنما يهدف إلى فرض إرادة الذين يتعهّدون هذا الإرهاب بعنايتهم. بمعنى آخر، عندما يتعرّض الوطن لهجمات إرهابية من جهاتٍ عدّة، فإنّ كل جهة إرهابية تسعى واهمةً إلى اقتناص كِسْرة من الكيان الوطني. ففي أغلب الأحيان لا يحقّق الإرهابيون، على المدى المتوسط ، أية نتيجة ملموسة، باستثناء الدّمار والتهجير. هذا ما تتوخّاه الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، وتركيا وآل سعود في سورية.
من البديهي، في هذا السياق، القول إنّ الإرهاب الإسرائيلي، كان موجّها ضدّ المجتمع الفلسطيني حصرياً. بالتالي نجح في تفكيك هذا المجتمع وفي إقصاء الفلسطينيين . تجدر الملاحظة إلى أنّ المستعمرين الإسرائيليين كانوا قد استفادوا من الاستعمار البريطاني في فلسطين، فأعدّوا مؤسسات الدولة الاستعمارية الإسرائيلية لملء الفراغ، كون الإرهاب لم يكن يستهدف المجتمع الإستعماري الإسرائيلي، بل كان وسيلته !
تأسيساً عليه، إذا اتفقنا على تعريف الإرهاب بما هو أداة للتخريب،للهدم، لترحيل الناس قسراً عن بلادهم ولإجبارهم على التخلّي عن ممتلكاتهم، و هذا كلّه بحدّ ذاته، يكفي لإدانة الإرهاب أخلاقياً وإنسانيا، نظرياً وقولا، فإنّ إدانة الإرهاب، الفعلية، العملية، تفرض علينا أن نتقصّى طبيعة هذا الإرهاب. هل هو متأتّي من جسم المجتمع الوطني نفسه؟ هل يتلقّى إمدادات من الخارج؟ أين تكمن الأولوية؟ في تجفيف ينابيع الداخل أم ينابيع الخارج؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News