مختارات

السبت 05 كانون الأول 2015 - 07:34 السفير

الرئاسة اللبنانية: الداخل ينتخب أم الخارج؟

placeholder

للخارج، بدوله ومصالحه وثقافاته، دور فاعل في الداخل اللبناني. هكذا كان الأمر منذ عهد المتصرفية في زمن العثمانيين، مروراً بـِ «دولة لبنان الكبير» في زمن الفرنسيين، ثم بعد العام 1943 في زمن الاستقلال، وصولاً الى العهود السياسية المضطربة في الربع الأخير من القرن العشرين ولغاية الوقت الحاضر. بذلك أصبح الخارج بمثابة قدر لدى معظم اللبنانيين، لا سيما منهم أهل النظام في مختلف العهود.

الخارج، في الواقع، كان يسّمي الحكّام والرؤساء، والداخل كان يتولى «انتخابهم». هذه الحال استمرت بلا انقطاع لغاية انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في اواخر شهر أيار 2014. منذ ذلك التاريخ، وبسبب الاضطرابات التي واكبت انتفاضات «الربيع العربي» ثم الحروب التي أعقبت غزوات الإرهاب التكفيري في مشرق العرب كما في مغربهم، انحسر نفوذ قوى الخارج وتراجع تأثيرها المباشر على قوى الداخل. بكلمة، ما عاد معظم اللبنانيين، مع قلة من اهل النظام، يتقبّلون فكرة ان يختاروا للرئاسة مَن يختاره لهم غيرُهم في الخارج.
لماذ انحسر دور الخارج وتأثيره؟

لأن موازين القوى تغيّرت في المنطقة، لا سيما بعد حضور روسيا الكثيف في سوريا، ما جعلها تميل لمصلحة الأطراف المؤيدة لمحور المقاومة بدوله وتنظيماته التي تواجه التحديين الرئيسيين في هذه الآونة: «اسرائيل» العنصرية والإرهاب التكفيري. غير أن بعض قوى الداخل في لبنان لا تتقبّل هذا التطور المستجد وتثابر على التصرف بوحي إيمانها الراسخ بأن حلفاءها الدوليين والإقليميين قادرون، عاجلاً أو آجلاً، على التدخل لتسمية المرشح الذي يناسبها فيصار الى انتخابه رئيساً كما في الماضي التليد.

اللافت أن اللاعبين الخارجيين في الساحة اللبنانية على طرفي المشهد السياسي حريصون، بواقعية، على اطلاق تصريحات ومواقف تفيد بأنهم يؤيدون للرئاسة المرشح الذي يتفق عليه الاطراف اللبنانيون، ومع ذلك لا ينفكّ بعض من هؤلاء عن الاعتقاد والتصرف بوحي إيمانهم الراسخ بأن كلمة السر ستأتي يوماً ما من الخارج، فتجعل الرياح تجري بما تشتهي سفن اهوائهم ومصالحهم.

إلى ذلك، ثمة سبب آخر بالغ الأهمية للتعقيد الذي يكتنف إمكانية اتفاق الأطراف السياسيين المتصارعين على مرشح مقبول للرئاسة. إنه حرص الأطراف جميعاً، ولا سيما القوى الوطنية الحية المستقلة عن نزاعـات تكتليّ 8 و 14 آذار، على معرفة طبيعة قانون الانتخابات الجديد قبل الإقدام على انتخاب رئيس الجمهورية العتيد. وليس سراً أن معظم قوى «14 آذار» تتمسك بنظام التمثيل الاكثري، ظناً منها أنه يوفّر لها امتلاك الأكثرية اللازمة لتدويم بقائها في السلطة، في حين أن معظم قوى «8 آذار»، تجاري أكثرية اللبنانيين الناطقة في استطلاعات الرأي المتعاقبة والمطالِبة باعتماد نظام التمثيل النسبي كصيغة قانونية وسياسية موزونة لتأمين صحة التمثيل الشعبي وعدالته.

فوق ذلك، ترى القوى الوطنية الحية أن أيّ توافق على «انتخاب» رئيس جديد قبل إقرار قانونٍ ديموقراطي للانتخابات على أساس النسبية إجراء غير شرعي ومدمّر لحاضر البلد ومستقبله. فهو غير شرعي لأن ولاية مجلس النواب انتهت العام 2013 وجرى تمديد ولايته مرتين لغاية خريف 2016 الامر الذي يتعارض مع ابسط المبادئ والتجارب الدستورية ويعطّل ارادة الشعب، اذْ لا يعقل أن يبقى التوكيل المعطى للنواب في ظروف ذات خصوصية سياسية واقتصادية واجتماعية معينة ساري المفعول الى ما لا نهاية بتدبير غير شرعي، أقلّه غير مشروع، قوامه قيام النواب بتمديد الوكالة لأنفسهم بأنفسهم. فالوكالة، اصلاً، تُعطى لمدة معينة ولا يجوز للوكيل، بكل المعايير القانونية، أن يمدد وكالته لنفسه بنفسه من دون موافقة الموكّل، اي الشعب ممثلاً بالناخبين.

تزداد الأزمة تعقيداً وخطورة بسبب لا مبالاة بعض الكتل البرلمانية وعدم اكتراثها بالمشكلات الحياتية، الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وآخرها مشكلة النفايات، وعجزها عن ايجاد حلول لها. كل ذلك سيؤدي، لا محالة، الى تعميق ازمة لبنان المزمنة بكل جوانبها وأبعادها.

اذ تتفاقم الازمة وتتعقد على هذا النحو، أرى، وغيري كثيرون، انه محكوم على القوى الحيّة، داخل الكتل البرلمانية وخارجها، ان تتحسب لكل المخاطر المحدقة، فتبادر بالسرعة الممكنة الى تنظيم حملة شعبية واسعة شعارها المركزي «الشعب يريد تطبيق الدستور» (ولا سيما المادة 22 منه التي تقضي بأنه «مع انتخاب مجلس نيابي على اساس وطني لاطائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية») على أن يجري تنفيذ ذلك عملياً بالضغط المركّز على الشبكة الحاكمة بكل الوسائل الديموقراطية المشروعة والمتاحة لحملها على اعتماد قانون للانتخابات على اساس النسبية.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة