ليبانون ديبايت - توفيق خير الله
منذ انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990، والدولة في حالة تنصل دائم من مسؤولياتها لتلقي بها على مواطنين عاديين، بعضهم يستفيد كأصحاب المولدات والخدمات الأخرى الذين يستفيدون من غياب الدولة وعجزها عن القيام بدورها، وبعضهم يتحمّل خسائر كبرى كالمالكين القدامى الذين يتحمّلون منذ 40 عاما مسؤولية تأمين الحق في السكن إلى المستأجرين ببدلات تكاد لا تذكر. المالك مظلوم إلى أقصى الحدود، والمستأجر، فقيرًا كان أو غنيًّا استفاد من هذه الحالة ومن تمديد استمرّ 40 عامًا وشمل نوابًا ووزراء ومسؤولين ومواطنين من جميع الطبقات الاجتماعية.
وفي 1 نيسان 2014 بادرت الدولة إلى توحيد القوانين المتعلقة بالإيجارات السكنية في خطوة تنهي تدريجيًا الإقامة المجانية للمستأجرين القدامى، وتعيد بعضًا من حقوق المالكين الذين تهالكت أبنيتهم بعد استهلاكها طيلة السنوات الماضية وعدم قدرة المالك على الترميم. القانون صدر بموافقة جميع الكتل النيابية، وهذه حقيقة ثابتة رغم ما يقال عن التصويت عليه بمادة وحيدة ومن دون اطلاع النواب على مضمونه. ونشر بعدها في الجريدة الرسمية بملحق العدد 27 بتاريخ 26 حزيران 2014، قبل أن يقوم 10 نواب بالطعن في بنوده أمام المجلس الدستوري ليأتي قرار المجلس بردّ الطعن وإبطال المادّتين 7 و13 والفقرة ب-4 من المادة 18. وهذه المواد تتعلق بلجنة التخمين وتحديد فئة المستفيدين من صندوق دعم المستأجرين والتي عادت صلاحياتها إلى قضاة الإيجارات.
هذا الطعن ولّد في بداية نشره إشكالية عن نفاذ القانون، ليأتي الجواب من المحاكم بأنّ القانون نافذ ودخل حيّز التطبيق في 28 كانون الأول 2014. نقابة المالكين رحّبت بالقرار باعتبار أنّ القانون يعيد إلى المالكين حقوقهم ببدلات عادلة للإيجار ولو ب12 عامًا من تاريخ نفاذه وبارتفاع تدريجي للبدلات (15% في السنوات الأربع الأولى من فارق الزيادة، و20% في السّنتَين الخامسة والسّادسة وتجديد مرّتين ل3 سنوات للمستفيدين من صندوق الدعم)، ولجان المستأجرين طالبت بعدم تطبيقه ودعت المستأجرين إلى عدم توقيع العقود رضاءً باعتبار القانون غير عادل وغير منصف لأنّه لا يتضمّن تعويضات للإخلاء بعد فترة التمديد والتي تعتبرها اللجان حقوقًا مكتسبة تاريخيًّا، ولأنّه لا يؤمّن البديل السكني للمستأجر بعد فترة التمديد، ولم يقرّ قبله قانون الإيجار التملّكي.
هذا الواقع نتجت عنه الإشكالية الآتية: المحاكم تطبق القانون بدرجاتها الثلاث في البداية والاستئناف والتمييز (القضاة طارق طربيه، لارا عبد الصمد، نادين ضومط وأيمن عويدات وسلام شمس الدين...)، المالكون يرضون به بالحد الأدنى لأنّه يعيد أملاكهم ولو بعد 12 عاما، والمستأجرون يرفضونه تمسّكًا بالتعويض وبالبدائل السكنية. المالكون على حقّ لأنّه لا يجوز بعد اليوم تقييد حقهم بالتصرف بملكيتهم ببدلات معيبة لا يرضى بها أيّ مواطن، والمستأجرون على حقّ لأنّ الدولة ملزمة بوضع خطة سكنية وبتأمين الحق في السكن لأبنائها. لكن السؤال المركزي: مَن يتحمّل مسؤولية السكن؟ المالك أو الدولة؟ وهل يجوز أن يتحمل المالك هذه المسؤولية بعد اليوم؟
واضح أنّ الدولة من خلال قانون الإيجارات الجديد تدرك واقع الحمل الثقيل الذي رمت به على ظهر المالك وبأنّه غير قادر على التحمل وبأنّ هناك مباني مهدّدة بالانهيار وهذه أزمة كبرى يجب معالجتها، لكنّها بالمقابل غير قادرة على دفع التعويضات للمالكين والمستأجرين وغير قادرة على تأمين البديل للمستأجرين ما عدا برامج المؤسسة العامة للإسكان والإيجار التملكي الذي يقبع في أدراج لحنة يترأسها النائب سمير الجسر. من هنا لجأت مجددا إلى قضم بعض حقوق المالكين لمصلحة المستأجرين من خلال التمديد الإلزامي بزيادات تدريجية تبلغ نسبة 100% في السنة السادسة وإقرار التعويضات لعلّة الهدم والضرورة العائلية، كما لجأت إلى إنشاء صندوق لدعم الفقراء من المستأجرين وربطته بالمالك لأنّها تعلم بأنّها سستنصل لاحقًا من تمويله، فيتحمّل الخسارة مجددا المالكون، وعينهم على التحرير الكامل بعد 12 عاما.
والنتيجة أنّ الدولة حزمت أمرها وهي ماضية بتطبيق القانون الذي أصبح المستأجر أكثر قابليّة لتطبيقه بعد دخوله العام الثاني على التطبيق منذ بداية العام 2016، كما أنّ المالك أصبح مدركًا لتفاصيله وأكثر تقبلاً لواقع قضم بعض حقوقه أملاً بإنهاء هذه الأزمة وتوحيد قوانين الإيجارات السكنية بانتظار البدء بتوحيد قوانين الإيجار التجاريّة.
قرار صادر عن غرفة الرئيس ايمن عويدات
قرار صادر عن غرفة الرئيسة سلام شمس الدين
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News