المحلية

الخميس 25 شباط 2016 - 08:20 ليبانون ديبايت

في مفاعيل إلغاء الهبة السعودية

في مفاعيل إلغاء الهبة السعودية

ليبانون ديبايت - العميد الركن المتقاعد جورج نادر

خلال العام 2013 ، أعلن الرئيس السابق ميشال سليمان أن المملكة العربية السعودية قرّرت منح هبة مقدارها ثلاث مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني ، وخلال العام 2014 أعلن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أن المملكة قدّمت هبة بقيمة مليار دولار لتسليح الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى .

هبة المليارات الثلاث كانت مشروطة بأن مصدر التسليح هو حصراً فرنسا ، وذلك نظراً كون فرنسا كانت ولا تزال الدولة الأولى الداعمة للمملكة السعودية في صراعها مع النظام السوري ، بينما المليار الرابع كان من المقرّر أن يوزّع على الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن ألدولة ، ومصدر التسليح ليس محدّداً بدولة معينة .

الجانب اللبناني من جهته ، وأعني الجيش اللبناني ، شكّل على الفور هيئة تسليح مهمّتها تحديد حاجات الجيش من السلاح والعتاد ووضع المواصفات الفنية والتقنية له ، وتحديد الأولويات بالتنسيق مع الجانب الفرنسي ، وتألّفت الهيئة من ضباط مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وترأّس الهيئة نائب رئيس الأركان للتخطيط العميد الركن مارون الحتي ، وكنت أنا بوظيفتي كملحق عسكري في السفارة اللبنانية في باريس ، عضواً في الهيئة متابعاً عن قرب مع الشركات الفرنسية والجانب الفرنسي موضوع الهبة .

الجانب الفرنسي أيضاً وعبر الشركة الخاصة المكلفة التنسيق بين شركات التسليح الفرنسية والجيش الفرنسي والزبائن ( ODAS ) وبالتعاون مع هيئة التسليح اللبنانية ، وضع المعايير، وحدّد الشركات المعنية بتصنيع السلاح ، ووُضِعت برامج التصنيع والتسليم لكل نوع من السلاح والعتاد على مدى 45 شهراً . لكن مبلغ الثلاث مليارات دولار لن يصرف كله لشراء السلاح والعتاد ، بل أن 900 مليون دولار ، أي ما يقارب الثلث خصّصت للمتابعة والتدريب وصيانة السلاح على مدى خمس / سبع سنوات . وقد تقرّر بدء العمل بتصنيع السلاح من قبل الشركات الفرنسية ، فور إستلام مبلغ 20% من كامل الهبة ( اي 600مليون دولار )، وقد دُفع المبلغ المسبق من قبل الجهة الواهبة في شباط من العام الفائت ( 2015) ومن المفترض أن تكون الشركات الفرنسية قد بدأت التصنيع بحسب الإتفاقيات المعقودة بين الجانبين اللبناني والفرنسي ومصادقة الجهة الواهبة .

إن دفعة صواريخ ميلان التي تسلمها الجيش من مخازن الجيش الفرنسي هي من ضمن لوائح الأسلحة التي بغالبيتها يقتضي أن تكون مصنّعة حديثاً ، وقد إستكمل فوج المضاد للدروع حاجته من الصواريخ ومن الممكن أن تسلّح بعض الألوية والأفواج بهذه الصواريخ كون تنظيمها العضوي يضمّ سرية صواريخ مضادة للدروع في كل لواء مشاة وفصيلة في كل من أفواج التدخّل والأفواج الخاصة .

إن حاجة الجيش للسلاح الحديث والعتاد المتطوّر تشمل للقوات البرية :

دبابات وقطع مدفعية وناقلات جند وسلاح فردي وإجمالي ووسائل رؤية ليلية ووسائل حماية ووسائل إتصال متطوّرة ومشفّرة بالإضافة إلى آليات النقل والدعم اللوجستي .

وبالنسبة للقوات البحرية فهي طرادات للحماية وخافرات ومراكب إنزال ودوريات مع السلاح ووسائل الرصد والإنذار والإتصال اللازمة .

والقوات الجوية أيضاً بحاجة إلى تحديث طوافاتها وتسليحها وطائرات الرصد والمراقبة ووسائل الإتصال.

إن هذه الهبة ، لا تلبّي أكثر من 14% من حاجات الجيش في مختلف الأسلحة ، والجانب السلبي هو أن شركات التصنيع الفرنسية لا تملك سلاحاً مخزّناً (STOCK) فهي بحاجة إلى أربع سنوات على الأقل لتصنيع المطلوب منها ، اي أن السلاح والعتاد سيأتي بالقطّارة ، في وقت يحتاج الجيش دفعات متطوّرة من الأسلحة والعتاد وبالسرعة الممكنة كونه يواجه تهديدات جدّية في قتاله ضدّ الإرهاب .

في الحديث عن توقّف الهبة لأسباب سياسية لن أدخل في تفاصيلها ، عمدت بعض الجهات السياسية والإعلامية على إظهار الجيش اللبناني وكأنه سيوقف تنفيذ مهامه في الدفاع عن أرض الوطن ، وقتال الإرهاب على حدوده وفي الداخل ، وظنّ المواطنون أن قوة جيشهم وبسالته تحدّدها ثلاثة مليارات من الدولارات ، وهذا منافِ للحقيقة ومسيء بحقّ الجيش والوطن ، فالجيش اللبناني لم يستجدِ يوماً مساعدة من أحد وهو ينفّذ مهامه اليومية وسيبقى كذلك ولو " باللحم الحي " كما فعل دائماً ،وعلى السلطة السياسية إقرار برامج وخطط قصيرة ومتوسطة الأمد لإمداد الجيش بما يحتاجه من سلاح وعتاد ليتمكّن بشكل أفضل من القيام بواجباته ، وعدم الإتكال على الهبات ، فالإغتراب اللبناني ، وأعني ما أقول ، قادر على الإسهام بصورة اساسية في برامج تسليح الجيش إذا تأكّد أن الأموال التي سينفقها ستعود للجيش فقط ، ولا تذهب في مزاريب الهدر والصفقات التي اصبحت وللأسف ثقافة سياسية وإجتماعية . فهل من المعقول مثلاً أن القوى التي قاتلت في نهر البارد لم تكن تملك في بداية المعارك دروع وخوذ واقية من الرصاص تحمي صدور ورؤوس العسكريين ؟ وهذه أبسط وأدنى قواعد التسلّح وأقلها كلفة ؟؟ الشكر للمواطنين الذين إشتروا لصالح الجيش ما يحتاجه كل مقاتل فردي في المعركة ..

من المتعارف عليه أن القوات الخاصة هي القوى المتخصّصة في مكافحة الإرهاب ، وللمقارنة فقط يقتضي أن نذكر أن كل عنصر من الوحدات الخاصة الأميركية يكلف عتاده وسلاحه الفردي ووسائل حمايته حوالي 60 ألف دولار أميركي ، والجندي الفرنسي في القوات الخاصة يكلف حوالي 34 ألف دولار ، بينما الجندي اللبناني في أفواج الوحدات الخاصة لا يكلف أكثر من ألفي دولار .. وهو بالرغم من ميزانيته المتواضعة جدّاً ، أظهر أنه متدرّب ومحترف وقادر معنوياً ونفسياً على تنفيذ أصعب مهام القتال ضد الإرهاب ، وقد اثبت ذلك في نهر البارد العام 2007 وفي جرود عرسال من العام 2013 وحتى اليوم ، وذلك بشهادة قادة الجيوش الأجنبية.

فالتباكي على الهبة السعودية ، لا يُحبط احداً ولا يوهن ثقته بالجيش ، فجيشنا الوطني بعقيدته القتالية وحرفية ضباطه ومناقبيتهم وشجاعة جنوده وإحترافهم وإندفاعهم ، جاهز دوماً للدفاع عن أرض الوطن ضدّ كل إعتداء ، صحيح أن السلاح المقرّر ثمناً للهبة السعودية يجعله ينفّذ مهامه بوقت اقصر وخسائر أقل ، لكن إيقافها او إلغائها لا يحدّ من عزيمة هذا الجيش الذي لم يبخل يوماً على شعبه برجاله الأشدّاء ، فالمملكة العربية السعودية مشكورة على هبتها ، وإن أوقفتها أو ألغتها فلا دين لنا عليها ، هي حرّة بما تفعل فالمال مالها ولها أن تنفقه كما تشاء ، والشكر لها على أية حال . وليطمئن اللبنانيون إلى أن الذي هزم الإرهاب في نهر البارد ، والذي فتح النار على القوة الإسرائيلية في العديسة في 2آب 2010 متحدّياً جبروت جيش العدو ، والذي إحتلّ تلة المحمّرة في جرود راس بعلبك في تشرين الثاني 2014 ، هذا الجندي الشجاع لا تحدّ إندفاعته مليارات ، ولا تنقص من معنوياته سياسة النعامة و " النأي بالنفس " التي تنتهجها حكومة التناقضات .

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة