مختارات

الأربعاء 09 آذار 2016 - 07:03 البناء

لا لانقطاع "شعرة" التواصل

placeholder

بثبات أهمية موقع سورية في الشرق الأوسط ومركزية القرار السياسي والنفوذ المرتبط بالأكثر قدرة على ضمّها إلى ضفته، تتكشّف قدرة الأزمة السورية عنوة بإحداث شرخ كبير بالعلاقات الدولية، السياسية والخارجية بين الدول وعلاقاتها، وبينها مَن كان ملتزماً باستراتيجيات مفترض أن تعيش لسنوات وتمّ التخلي عنها أمام معركة الالفية الثالثة الأكثر دقة وخطورة على المنطقة والعالم.

تخطت الأزمة السورية حدود الصراع العربي «الإسرائيلي» الذي كان محصوراً بالشرق الأوسط لتشكل صراعاً من نوع آخر أظهرها كمساحة مناسبة للدول والأطراف التي تودّ العودة إلى حلبة المواجهة وإثبات قواها العظمى ولو بعد حين.

يتخذ دونالد ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية والذي لا يزال ينتظر فرصته في تمثيل حزبه من مقولة «معاً نعيد أميركا عظيمة من جديد» شعاراً لحملته الانتخابية، يكشف ترامب بهذا الكلام عن قناعته بأنّ بلاده لم تعد قوة عظمى عند جزء كبير من الأميركيين الذين أظهروا تأييده بشكل لافت، وهنا تحضر روسيا الخصم القديم الذي لا ينسى الأميركيون يوماً أنهم هزموها في معركة مفصلية بعدما كانت تضمّ اتحاد دول السوفيات. يؤكد ترامب في كلّ مناسبة أنّ الولايات المتحدة اليوم تختلف عن تلك التي كانت سابقاً، وأنّ سياسات الإدارات المتعاقبة، خصوصاً إدارة اوباما اضعفت صورتها امام الشعوب.

تتقدّم روسيا اليوم امام الشعب الأميركي بصورة الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب في العالم، فهي وحدها من اخذت على عاتقها الدخول المباشر في قتال جدي مع قوى تدرك موسكو جيداً أنها صنيعة خصومها بوجهها في لعبة التوازنات الدولية.

الحرب التي فتحتها واشنطن بالتعاون مع حلفائها العرب في الأزمة السورية تستهدف أولاً وأخيراً روسيا وحلفاءها بشكل مباشر. سورية لم تكن وحدها مركز الحرب مع روسيا، بل أوكرانيا أيضاً التي اعتبرت في مرحلة من المراحل خاصرة روسيا القادرة على إحراجها واستنزافها، إذا ما نجح المخططون لاستدراجها فأفشلت موسكو الخطة وتابعت.

كلّ ما ذكر يعني أن القوتين الدوليتين العظميين تعترفان بالعداوة الكبرى لبعضهما البعض، لكن وعلى الرغم من ذلك لم تقع القطيعة السياسية بينهما منذ بداية أزمات «الربيع»، مع العلم أنّ اللقاءات الأميركية الروسية كانت قليلة جداً. لم تتحرك الديبلوماسية بين البلدين بشكل مكثف إلا بعد إدراك واشنطن أنه لا بدّ من المحافظة على شعرة التواصل مع موسكو التي لم تعلن استسلامها بعد إخراجها من ليبيا، بل أبرزت زخماً أكبر بحماية أمنها القومي في كلّ الساحات.

أدركت الإدارة الأميركية أهمية هذا التواصل وانْ جاءت متأخرة بعد ان كانت الأحداث في سورية قد غيّرت المشهد بالكامل في البلاد لمصلحة الفوضى وانتشار الإرهاب وإعلانه نيات التقدّم نحو العالم، فحاولت اعادة هيكلة طاقم الخارجية الأميركية القادر على خدمة هذا الملف، واستبدلت هيلاري كلينتون بجون كيري وزير الخارجية الحالي فنجح نجاحاً لافتاً بثنائيتين… الأولى مع سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي والثانية مع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني.

المشهد المنقسم دولياً والعداوات بين القوى السياسية أنتجت ضمن حركة الأحلاف ضمانة الحفاظ على الإبقاء على التواصل عبر قنوات او مباشرة عبر ملفات جامعة تطلب التعاون وليس النجاح في طيّ صفحة البرنامج النووي الإيراني بنجاح الا دليل قاطع على ذلك.

القوى الاقليمية بدورها تتعاطى بالمفهوم نفسه، فتركيا التي تعيش اليوم عزلة روسية شديدة الدقة تدرك انّ طريق الحلول قد يكون بوسيط إيراني قادر على كسر الجليد بين الطرفين، فهو الطرف الحليف المتبقي الوحيد بعد قطيعة انقرة لدمشق وأزمتها مع موسكو وعلى هذا الأساس تحرص تركيا على علاقات جيدة مع إيران في ظل التصعيد مع روسيا، بشكل يؤكد انّ هامش مناورة تركيا بتأزيم العلاقة مع طهران غير وارد ضمن ايّ سبب او حجة، فتضيق معها احتمالات التصعيد.

المملكة العربية السعودية بدورها التي تشكل رأس حربة الصراع في سورية، كممثل للموقف العربي الحليف لواشنطن كرّست قطيعة كبرى مع إيران وصعّدت بالأزمة بينهما لتصل لحدود حرب اليمن وإعدام الشيخ نمر باقر النمر الموالي لسياسات إيران في السعودية، وصولاً إلى التصعيد بوجه حزب الله اليوم حليف إيران الأساسي في لبنان وسورية والمنطقة.

لكن وبالرغم من كلّ هذا الموقف السلبي بقيت نافذة المخارج للمأزق السعودي ممكنة عبر قنوات متعددة واظبت المملكة بالمباشر على عدم تعريضها لأيّ نوع من الاهتزاز. وتعتبر سلطنة عُمان واحدة منها، وهي التي لم تتعرّض لأيّ انتقاد سعودي بعد انحيازها ومشاركتها في مواقف إجماع عربي وتمثيليات المواقف وهي تدرك سلفاً أنها طرف مقبول إيرانياً، وقد برزت على صعيد استقبال وفود حوثية والمساعدة في مسار المفاوضات. هذا عدا عن موسكو التي تحتفظ معها الرياض بجسر للتواصل وتحفظ التوقيت للظرف المناسب.

سلطنة عُمان إقليمياً وروسيا دولياً يضاف اليها مَواطن تواصل أخرى يمكن تفعيلها على هذا الخط، ويحظى لبنان الذي يعيش أزمة التصعيد مع حزب الله بجزء أساسي منها، فالحوار القائم بين حزب الله وتيار المستقبل بقي صامداً، بالرغم من أعنف المواجهات السياسية التي تعيشها أطرافه الحليفة لإيران والسعودية، وكلّ هذا أيضاً يأتي ضمن سياسة الحرص على عدم انقطاع شعرة التواصل حتى انطلاق موعد الاستفادة المباشرة منها.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة